الأربعاء، مارس 02، 2011

حتمية النقد الذاتى للحركات الاسلامية





بسم الله والصلاه والسلام على رسول الله ... أما بعد


النقد الذاتي ظاهرة صحية في المؤسسات والمجتمعات المتحضرة، بل هو جزء أساسي من عملية التطوير والتقويم المستمر، وطالما كان الأمر كذلك، فما أحوج الحركة الإسلامية إلى ثقافة النقد الذاتي، من أجل ترشيدها، وتخليصها من أمراضها. فالحركة الإسلامية محاصرة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وتوجه إليها سهام النقد ليل نهار، قاصدة تشويهها أمام شعوبها وأمام العالم، ومن شأن النقد الذاتي لها أن يبصرها بعيوبها، ويشير لها إلى الطريق الصحيح، من أجل أن تلتحم أكثر بشعوبها، ومن أجل أن تنجو من المؤامرات والمكائد فقد جرت العديد من المراجعات في السنوات الماضية، خاصة مع ازدهار العمل الإسلامي ووصوله إلى مساحات جديدة وأفاق متعددة، وابتلائه بالعديد من الأمراض والأخطاء. وهذه المحاولات الصحية في نقد الحركات الإسلامية وترشيد مسارها، إذا افترضنا فيها حسن القصد والتوجه، فإنها تأتي لتثري العمل الإسلامي وتقدم له إشارات تسوقه إلى الطريق الصحيح، وتضع له كوابح تمنعه من الانجرار إلى الأخطاء الكبرى، خاصة إذا كان هذا النقد صادرا من أهل الفكر الإسلامي المعروفين بالثقافة والخبرة والمعرفة، والذين لا ينطلقون من منطلقات شخصية خاصة، أو من حسابات ضيقة.

لكن الملاحظ أن الحركة الإسلامية، بفصائلها المختلفة، تضيق بالنقد الذاتي، ولا تتحمله، وتشكك في مصداقيته وجدواه. وكثير من الإسلاميين ينطلقون من أن العمل الإسلامي محصن دينياً وأخلاقياً وواقعياً ضد الخطأ والانحراف، وبالتالي فليست هناك جدوى من نقده. ومنهم من يعتقد أن من يوجه أي نقد للحركة الإسلامية، في أي مستوى من مستوياتها، إنما هو عدو لهذه الحركة وكاره لها ومتآمر ضدها، ويستبعدون تماماً أن يكون هناك مثقفون إسلاميون، محبون للحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت ينتقدونها.!! هكذا فقدت الحركة الإسلامية المبدعين أصحاب الفكر الذكي، ومع الوقت تحول التنظيم إلى آلة من الممكن أن يتحكم في توجيهها إنسان متواضع الثقافة والرؤية والأفق، ولأن الأمور داخل التنظيم تركز على الطاعة والولاء والالتزام والفدائية ونكران الذات، وليس على قيم التواصل مع الأمة والمجتمع الأكبر، من حقوق وواجبات وأدوار، فقد تحول العمل الإسلامي إلى وظيفة وروتين يتقلده الأكثر طاعة وولاءً، وليس الأكثر ذكاءً ووعياً وعطاءً، كما زاد الوعي الحركي والتنظيمي والسياسي لشباب الحركة، في الوقت الذي قلت فيه خبراتهم الاجتماعية، وعمقهم الثقافي والفكري
وهكذا أصبح النقد الذاتي في الحركة الإسلامية شديد الأهمية من أجل الخروج من إطار العقل التنظيمي المحدود إلى العقل الإصلاحي، الذي يهتم بإصلاح الأمة والشعوب والعمل التنموي والأهلي بعيداً عن الصراع مع السلطة التي استنزفت جهود الحركات والمجتمعات الإسلامية إن عملية النقد الذاتي لا تخاف منها إلا حركة هشة غير واثقة من صلابة أفكارها ومن مشروعية وجودها، فهي تخاف من أدنى نقد يمكن أن يوجه لها لأنه يمكن أن يقوض وجودها ويفضح هشاشتها، وهو ما لا يمكن أن يقبل أن يصدر من حركة سياسية واجتماعية تستمد من مبادئ الإسلام الراسخة مشروعيتها ومن إنتاجات الفكر الإسلامية الوطيد أفكارها وتصوراتها.بل على هذه الحركة أن تشجع على مثل هذا النقد لأنه يضمن لها من التقويم والإصلاح ما يجعلها أكثر فعالية وأكثر نجاعة في خدمة المجتمع ونشر مبادئ الإسلام وأفكاره. إن أي تيار فكري لا يقبل النقد الذاتي والمراجعة المرحلية لا يعدو أن يكون أحد صنفين: - إما تيار معتد بنفسه معتقد بعصمته لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يوجه له أحد أصابع النقد والتصويب، فهو – كما يرى – أرفع وأرقى من أن يخطئ أو يُصَوَّب. - وإما تيار شديد الهشاشة مبني على جرف هار يخاف أن يسقط بنيانه وتتفكك تركيبته إذا ما وجه إليه النقد أو طغى على ساحته نقاش يمكن أن يشكك في بعض أفكاره أو تصوراته।


لقد شهدنا على مدى التاريخ الإسلامي حركات اعتقدت أن مجرد اعتمادها للقرآن والسنة يضفي عليها طابعا من العصمة يجعل من المستحيل مناقشتها أو نقدها، وترسخ نوعا من الثيوقراطية الاجتماعية المذمومة، فهم لا يقبلون نقد ممارساتهم ويعتبرونها تنهل من منهل الوحي وكأن الوحي ليس له إلا تفسير واحد هو ما يراه قادة هذه الجماعة أو تلك، وهي بهذا المنهج الإلغائي تزيح كل تصويب أو نقد يمكن أن يوجه لها، ونجد ذلك واضحا وجليا في الحركات الصوفية التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي. إن على الحركات الإسلامية ألا تخاف من سهام النقد خصوصا تلك التي تأتي من أعضائها ومريديها ما دامت معتقدة أن مبادئها أقوى من أن تنهار لمجرد نقاش قد يفتح حول مسارها وأخطائها، بل يجب عليها أن تعلم أن هذا النقد إنما هو مصدر قوة يضمن لها بناءا فكريا وتنظيميا قويا ومتوازنا يمكن أن تخرج به إلى المجتمع وأن تقيم على أساسه برامج إصلاحية لتنزيل مشروعها المجتمعي في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأمام أعيننا تجارب رائدة في المغرب وفي مصر وفي الجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية حيث قامت الحركات الإسلامية بمراجعات فكرية وسعت هامشها وزادت فعاليتها واستطاعت النجاح والتقدم في ممارستها بعد أن قامت داخلها حركة نقدية ساهمت في تقويم مسارها وتصحيح أخطاها وإعطائها دفعة قوية فصارت بذلك أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر قبولا ونجاعة في تنزيل مشروعها الإصلاحي في بلدانها إن من الظواهر السلبية في الحركة الإسلامية، والتي ينبغي لمناهج النقد الذاتي الالتفات إليها والاهتمام بها، الاعتقاد السائد لدى قطاعات واسعة من الحركة الإسلامية أن التنظيم غاية في حد ذاته، وأن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال التنظيم. وسادت ثقافة التنظيم والاهتمام به على ما عداها من القضايا، وباتت خدمة التنظيم هي الهدف الأساسي، وليس خدمة المجتمع وعوام الناس، وأصبح فهم ووعي شباب الفصائل الإسلامية للقضايا العامة وتفاعلهم معها يغلب عليه العمومية والانطباعية والكسل في التتبع الثقافي للقضية العامة، والرومانسية الحالمة البعيدة عن الواقع، وذلك لأن الوعي بالقضية العامة يقررها له التنظيم، وصاحبنا يريح نفسه ويعتمد على الثقافة التي يتيحها له التنظيم.



وهكذا فإن التنظيم أوجد في المنتمين إليه العقلية شبه السطحية وغير العميقة، فهو لا يهتم ولا يدرك إلا المباشر، ولذا نجده لا يتفاعل مع القضية العامة إلا بمقدار ما يكون له صلة بما يقوله التنظيم أو يمارسه. وهذا يفسر ضعف ثقافة أعضاء الحركات الإسلامية في التفرقة والتمييز بين ما يمكن أن يؤثر على الحركة الإسلامية مباشرة وما قد يؤثر عليها أكثر ولكن بطريق غير مباشر.

وأعداء الحركة الإسلامية وكارهوها يعملون جاهدين على أن تظل الحركة سطحية الثقافة معتمدة على الآليات المباشرة في الفهم والحركة، ولذلك فهم يعملون على توفير فرص التعبير الديني الظاهر والكثيف في وسائل الإعلام، وفي نفس الوقت يبذلون كل الجهود الممكنة لمنع الحركة الإسلامية من اكتساب الخبرة السياسية والاجتماعية الناضجة، والتي تمكن الحركة من أن تصبح مستقبلاً بديلاً كفؤاً للتيارات العلمانية سياسيا ..