الثلاثاء، نوفمبر 17، 2015

ذكرياتي مع "جماعة الفرماوية" 2-2

تقديم : كما أسلفنا في المقال السابق كان موقفهم من (( عوام المجتمع )) والمخالفين لهم  يتميز بالاضطراب الشديد فرغم أن نظرتهم للغير تشكيكية حادة لكنها لم تصل للتكفير العيني لجهلهم بضوابط وأصول التكفير المعتبرة شرعاً .

* الأصول الاعتقادية للطائفة الفرماوية :

1- ترك الاخد بالأسباب :

كان هذا المبدأ من المبادئ الأساسية في طريقهم ، وعليه تبنى أكثر معتقداتهم ، فهم يزعمون أن الأخذ بالأسباب يطعن في صحة التوكل على الله وفيه شبهة شرك، وكانت هناك عبارة يرددونها : للناس أسباب وأسبابنا التقوى ويسوقون على ذلك أدلة من القرآن فقط فالسنة عندهم ملغاة تماما،وهو قوله تعالى"ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب"  وقوله تعالى "يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم "    وقوله تعالى "ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا "  وغيرها من الآيات الكريمة التي تحض على التوكل على الله ولكنهم أولُوا الآيات بفهم خاطئ يصل للتواكل المذموم...

 يقول شيخهم من أراد شيئا عليه أن يلزم المحراب يتعبد لله ويدعوه ، والله يقضي حاجته ، ثم ساق حديثا قدسيا على ذلك: "يا أرض من خدمني فاخدميه ومن خدمك فاستخدميه "      
ونتج عن هذا الاعتقاد - عدم التداوي مطلقا مهما كانت حالة المريض،حتى وصل الأمر عندهم إلى أنه مجرد التداوي أو دخول المستشفى قدح في إيمان الشخص بل قد يخرج من طريقهم نهائيا . وكان من كلام شيخهم "الطب شرك من عمل الشياطين، هذه عقيدتي" [1]  رغم وجود قرائن تاريخية لبعض الصحابيات – رضى الله عنهن – ممن امتهن مهنة التطييب " التمريض" في المعارك الحربية بين المسلمين والكفار كالسيدة رفيدة بنت سعد من قبيلة بنى أسلم وهى أول ممرضة محترفة في صدر الإسلام وغيرها كالسيدة عائشة – أم المؤمنين- وأم سلمة وأم حبيبة الانصارية وغيرهن   

2- عدم السعي للرزق، والتفرغ لعبادة الله :
وهذا يعد من المبادئ ذات الصدارة في طريقهم،إذ أن الله خلق الخلق لعبادته، ودليلهم في ذلك قوله تعالى" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون * ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون * إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين " والدليل الرئيسي في هذا المقام : قوله تعالى " ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب "  وكذلك  قصة الصديقة مريم، لقوله تعالى "كلما دخل عليها ذكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب "
يقول شيخهم: إن الصديقة مريم التزمت المحراب وتفرغت للعبادة فجاءها رزقها يسعى إليها دون جهد منها أو عناء ورزقها الله من حيث لا تحتسب، وهذا ما يجب على المؤمن أن يفعله، فإن الله أخبر بأنه خلق العباد لعبادته وتكفل برزقهم، فلا ينبغي أن ينشغل الإنسان بما ضمنه الله عما خلقه الله له .

3- وجوب الأمية على الأمة المحمدية :
وذلك لأن الله تعالى يقول"واتقوا الله ويعلمكم الله" فإذا لزم المرء المحراب متعبدا لله رزقه الله علم الفتح الرباني عن طريق الإلهام  
وكان دائما تفسير شيخهم للتقوى هو لزوم المحراب والتعبد لله وترك المعاصي واعتزال الناس والتفرغ من الأعمال الدنيوية   
وبناءاً على ذلك لم يحاول أحد منهم التعلم بأي طريق من طرق العلم، فإذا سألتهم: لماذا تحضرون دروس شيخكم وتسمعون شرائطه؟ قالوا: هذا للتذكرة فقط وليس للتعلم   
شيخهم قوله : إن الله أنزل ثلاث كتب: ,ومن شطحات 
القرآن : وهو كتاب الله المقروء   
الكون : وهو كتاب الله المفتوح   
الفطرة : وهى كتاب الله الذي خلقه داخل الإنسان قبل أن يولد وهو نسخة من القرآن، فإذا تم الحفاظ على الطفل بعيداً عن شياطين الإنس والجن بحيث لا يفسدون فطرته شب الطفل وفى داخله نسخة من القرآن، والقرآن يشمل كل العلوم، ولذلك لا نحتاج إلى التعلم، وشرط الحفاظ على الفطرة لزوم المحراب والتعبد والتفرغ والاعتزال  
4- - عدم الأخذ بأسباب القوة   :
فكان تفسيره للآية" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة 000" أن هذه هي قوة الإيمان فقط، أما القوة البدنية والعسكرية والاقتصادية وغيرها فلا شأن للمؤمنين بذلك، فلا معنى أن يتلقى جيش المسلمين تدريبات  ولا يهتموا بأسلحة أو غيرها، فالمؤمن رقيق القلب لا يستطيع أن يذبح دجاجة فكيف يستطيع أن يقتل بشرا![2]ً  

5- - الاعتزال والخلوة وعدم الاختلاط بالناس :  
وهذا المبدأ أكده شيخهم كثيراً، فهو يقول: إنك إذا خلوت بالله واعتزلت الناس حصلت لك حالة صفاء تصلح لأن يفيض الله عليك بفيض العلم الرباني والكشف، أما الاختلاط بالناس يسبب نزول الحجاب بين الله وقلبك، فمعاصي الناس تعتبر حجاب للكشف النوراني، ولذلك هم لا يصلحون للكشف الرباني، فإذا خالطهم الإنسان صار غير صالحا للكشف مثلهم  

6- - القلب المؤمن هو مؤمن بطبيعته، والقلب الكافر كافر بطبيعته : 
ونتج عن هذا المبدأ أن تقاعسوا في الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واليأس من هداية الناس ، وإهمال تربية الأولاد بدعوى أن الولد إما يولد صالحا وإما يولد غير صالح  0
يقول شيخهم: إن الولد إذا وصل إن سن واحد وعشرين سنة ولم يلتزم فلا أمل في هدايته، أما الذين تابوا بعد هذه السن فالله أعلم بمدى قبول هذه التوبة [3]

7- - إنكار الكتب الشرعية :
بل كل ما سوى القرآن  ، إنكاراً تاما لا يحتمل النقاش ولا يقبل المفاوضة بما في ذلك كتب الأحاديث الصحيحة وغيرها وكتب السيرة والفقه والحديث  قاطبة دون استثناء  0
يقول شيخهم: القرآن هو الكتاب الحق الذي ليس فوقه كتاب، ولا تحته كتاب

وتحت هذا المبدأ حدث ولا حرج عن إنكار أحاديث بلغت في صحتها حد التواتر وبعضها حسن وبعضها ضعيف أو موضوع لا فرق بين هذه الأحاديث كلها ، فكل ما سوى القرآن ( باطل ) .[4]

8- - تحكيم العقل على القرآن والسنة:
فهم يعرضون آيات القرآن على عقولهم ، ويأتون بالتفسير الذي يناسب منهجهم لتفصيل الأدلة المناسبة اللازمة لطريقهم ، ويعرضون أحاديث رسول الله على عقولهم ، فما وافق عقولهم كان كلام رسول الله ، وما خالف عقولهم كان مدسوساً على رسول الله ، تجد أحدهم يطعن في حديث بلغ في صحته أعلى درجات الحديث ، فإذا عُرض نفس الحديث على رجل آخر بينه وبين الأول مشاحنة اتـهمه في دينه ، وأنكر عليه ذلك  وصحح الحديث الذي أنكره الأول ، ولا يخفى ما في هذا المبدأ من الفساد  .

________________________________________________


* وبنظرة سريعة على دروس إمامهم نجده موافق لمعتقدات غلاة الصوفية ومتعصبى الشيعة والخوارج والمعتزلة حيث نلاحظ أن الشيخ انتهج في أسلوبه نهج ابن عربي  حيث يدعو أولاً إلى كثرة العبادة والزهد ، ثم  ينتقل إلى إثبات حلول الذات الإلهية في المخلوقات  ثم يبدأ في إسقاط أحكام الشريعة حكماً حكماً  ووضع حجاب غليظ أمام سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته . حيث يستهل دعوته بقوله ( على الإنسان أن يغض عن الدنيا وما فيها ، ويتمسك بالله، والله خير وأبقى ) الجزء الأول ص1 ، - ( وجود الإله الحق المعبود ثبت بالأدلة القاطعة  لم تُرَ ذاته لأسرار منها أنه لا يُرى " قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي " (الأعراف 143) ، ومنها أنه لو رُئي لاختفى كل شئ " وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ " (الأعراف 143) ، ومنها أن الإنسان ليس مُهيئا لرؤية ذات الحق سبحانه ، ولكن تهيؤ الإنسان للخدمة فقط ) ج1 – ص6 ثم  ننتقل إلى مرحلة أخرى ، حيث يبدأ في صنع سياج محكم حول العقول ، يمنع به الثقة في أي مصدر للعلم سواه ، ويغلق جميع أبواب المعرفة الأخرى ، ويصب السخرية على العلماء فيقول :
( السنة لم يأمر الرسول بتدوينها في كتب ، لأنه كان شارحاً لها عملياً ، ومن بعده نقل الإسلام الصحابة والهداة والورّاث والمسلمون عملياً ، حتى صار صورة معلومة من الدين بالضرورة ) ج1 – ص60  .، - ( الأخذ من الكتب لا يهدي إلى الحق ولا يُقرّه القرآن ، وفي عهد الرسول لم يكن مع القرآن كتاب ) ج1- ص60  ، - ( علم الأزهر الذي ألفته البشرية المنحرفة علم مِعْوَجّ ، ليزداد المعوجون عِوَجاً ، والدليل واضح  الناشرون له معوجون ، والمستمعون معوجون  وكفى بالله شهيداً وحسيباً ... العلم الرباني هداية  ليزداد المستقيمون استقامة...خلاصة علم الأزهر الدعوة لترك الدين ، الناشرون لعلم الأزهر لا دين عندهم ، وما نراه فهو قشور لا حقيقة ) ج1 – [5]
ثم يؤصل لاحتكاره اللدن الالهى قائلاً - ( العلم الإسلامي يُعرف من أهله ، أهل النور الذين اتصلوا بالتعبد ، وفتح الله عليهم ، ويمدهم به عند الحاجة إلهاماً "  وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً " (الشورى 51) ، الاتّباع يكون لصالح واصل، مَن لم يصل يأخذ العلم ممن وصل حتى يصل ) ج1- ص60   .ثم تدنى به الحال لادعائه تلقى الوحى في آخر أحد الدروس يقول عن نفسه ( هذا الكلام خلاصة آيات قرآنية وليس عبثاً ، ومستمد من وحي الله على قلـــب عبده الصــالح المتصل )ج1- ص169
ومن شطحاته أيضاً  الشيخ الفرماوي يدعي أن للقرآن ظاهراً وباطناً ، وأن الباطن اختص بعلمه العلماء الربانيون  تمامًا كما يقول الشيعة ، ولذلك قرأت في إحدى مذكرات الشيخ تفسيراً لقوله تعالى "وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى " (طه 121)، أن المعنى المراد : وأطاع آدم ربه! ونراه هنا يوافق الشيعة في تقسيم الشريعة إلى الظاهر والباطن، والعام والخاص.
ومنها تدرّجت وتطرقت إلى التأويل الباطني والتفسير المعنوي، وتفريق المسلمين بين العامة والخاصة، فإن الشيعة بجميع فرقها، وخاصة الإسماعيلية منهم يعتقدون أن لكل ظاهر باطنا، وقد اختص بمعرفة الباطن عليّ رضي الله عنه، وأولاده أي أئمتهم المعصومون حسب زعمهم، فسمّوا الموالين لهم بالخاصة، وغير المؤمنين بهذه الفكرة بالعامة.! ثم  ننتقل إلى مرحلة ادعاء العصمة حيث يقول :
- ( الكمال صفة تميز العابد من غيره ، والكمال سر من أسرار الإسلام ، الكمال شعار العابدين لله الصادقين المخلصين ) ج1- ص5   .
- ( العقل لا يخطئ...القلب مفتي لا يخطئ ) ج1- ص149-158  .

خاتمة :   ( ومن الصوفية طريقة يعظمون شيخهم ، ولا يرون على وجه الأرض أحداً أكمل منه ، ويزعمون أنه يوحى إليه ... وهؤلاء ينظرون في كتاب الله  فما وجدوا من آيات توافق هواهم أخذوها دليلاً على مذهبهم ، وما وجدوا من آيات تخالف هواهم أولوها وفسروها بما يوافق مذهبهم ، وينظرون في السنة : فإن وجدوا ما يوافق هواهم أخذوه دليلاً  وإن وجدوا ما يخالف هواهم ضعفوا سنده تارة  وأنكروه تارة ، وحرفوه تارة ...) شيخ الإسلام " بن تيمية " متحدثاً عن غلاة الصوفية 

التحليل النفسى للشيخ الفرماوى :

بناءاً على ما سبق ذكره نجده شخصية كاريزمية متسلطة تميل بشده للبارانويا المغلظة ويتضح وجود انفصام في الشخصية نتيجة غموضه الشديد ودهائه استطاع امتلاك قلوب اتباعه رغم تهاوى عقيدته الشاذة لكل طالب علم مبتدىء ولكنه جمع عقائد الغلاة في بذرة واحدة لم تنمو في المجتمع لمخالفتها الفطرة والمنطق والعقل فاجتثت شجرة خبيثة من فوق الأرض ما لها من قرار .


______________________________________________

  الحواشى :




[1] ونلاحظ هنا أنه لم يذكر البديل، فما العمل إذا وقعت حادثة لأحدهم على الطريق، أنتركه ينزف ولا ندخله المستشفى أم ماذا نفعل ؟ إذا سألتهم هذا السؤال يقولون:

المؤمن الصادق محفوظ من الله لا يحدث له مكروه أبدا، فإذا حدث ووقع مكروه لشخص ما كان هذا لتقصيره في جانب الله، ولذلك فهو يتحمل نتائج تقصيره ويستحق ما حدث له  !
[2] إذن ما تفسيره لغزوات الرسول وصحابته الكرام ومعارك المسلمين مع الكافرين   ؟
يقول: أولا كلمة غزوة كلمة خاطئة إذ أن معنى غزا أي اعتدى، المؤمن لا يعتدي فكيف برسول الله 
أما عن معارك المسلمين وقتالهم: يقول: إن المسلمين كانوا يحضرون إلى ميدان القتال فقط ثم بعد ذلك يدير الله المعركة!! كيف ذلك؟ أي أنك ترى رقاب الكافرين تطير في الهواء دون تدخل من المسلمين !! لكن هناك سؤال: ماذا لو هجم العدو على بلاد المسلمين قاصداً احتلال أراضيهم ؟
يقول شيخهم: الأرض التي بها توحيد لا يدخلها الاحتلال،بدليل"إن الله يدافع عن الذين آمنوا"   
وماذا عن قول رسول الله "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف"  ؟
يقول: هذه قوة الإيمان، مثال ذلك أن المؤمن القوي إذا ظهرت له امرأة فاتنة أثناء سيره في الطريق استطاع أن يغض بصره بخلاف الضعيف  

[3] 
لكن ماذا عن سحرة فرعون وقد اتبعوا رسول الله موسى بعد هذه السن ؟
يقول: هذه حالة خاصة، وكذلك ملكة سبأ والحالات المشابهة كل ذلك ( حالة خاصة )
كما أن رسول الله لم يبعثه الله لهداية البشرية وإنما هو بشير ونذير، أي بشير لقوم هم على طريق الإيمان ونذير لقوم هم على طريق الكفر، وأخذ دليلا ًعلى ذلك من القرآن الكريم " إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء " ، وبهذا أنكر أن يكون أحد من الصحابة كان مشركا قبل الإسلام، بل عند بعثة رسول الله وجد الناس فريقين: فريق على الحق، وهذا بشره الرسول بالنجاة والنعيم في الآخرة، وفريق على الشرك وهذا أنذره الرسول بالهلاك والعذاب في الآخرة 
[4] فإذا قلت لهم: قد اتفقت الأمة على أن البخاري ومسلم هما أصح الكتب بعد كتاب الله 
قالوا: إن البخاري ومسلم رجلين صالحين، لكنهما لم يكتبا كتبا ولم يصنفا شيئا، وإنما هذه الكتب التي بين أيديكم كتبت عن طريق طلاب العلم الفاسدين ، فقد كان العالم الرباني يجلس للدرس ويأتي إليه طلاب العلم وبينهم نفر لهم نوايا سيئة فيسمعون العلم من العالم ويكتبوه ثم يحرفوه ثم ينشروه، هذه هي الطريقة التي كتبت بها الكتب  0
وبناءاً على هذا المبدأ أنكروا طائفة كبيرة من الأحاديث ومواقف كثيرة من السيرة، وأنكروا بعض صفات الله التي أخبر بها الرسول ، وفسروا القرآن طبقاً ( للمعنى )أي لما يجد كل منهم في قلبه ، والفهم الذي يمليه عليه خاطره ، بل وأنكروا تماماً أن النساء عامة وأمهات المؤمنين خاصة قد أبلغن شيئاً من أحاديث الرسول أو شيئاً من العلم !!

[5]  قوله : "علم الأزهر الذي ألفته البشرية  المنحرفة ... " المقصود علم الكتب الشرعية  والمعلوم أن كثيراً من الكتب التي تدرس في الأزهر كتبت قبل إنشاء الأزهر بعشرات السنين ، وقد يكون في بلاد أخرى غير مصر ، ولم يختص الأزهر بهذا العلم .

  وأما قوله " البشرية المنحرفة "، فهذا سب للعلماء سلفاً وخلفاً ، حتى ولو فرضنا تحريف الكتب  فالأصل أنـها من تصنيف العلماء ، وأما وصفه للناشرين والمستمعين بالاعوجاج فقد شمل الملايين بتعميم فاسد دون جريرة .

***************************************************
المصدر : العاصمة نيوز 

الأحد، نوفمبر 08، 2015

ذكرياتي مع "جماعة الفرماوية" 1-2



استهلال : يتبادر للأذهان حينما نتكلم عن هذه الجماعات المجهولة للكثيرين تساؤلات مثل ما فائدة الحديث عن فكر مغمور انطمر في غياهب التاريخ ؟ ولماذا الاهتمام بالرصد التاريخي والتأصيل العقدي لبعض عشرات أو مئات من شذاذ الأفكار الذين لم يتركوا بصمة داخل المجتمع المصري ؟ وكيف نترك مشاكل " جنون الدولار " و " سد النهضة " وقضايا " الاستبداد والتعذيب والاختفاء القسرى وغيرها " و الذي لم تمر على مصر فترة اضمحلال ورجعية إنسانية وحضارية وقيمية مثل تلك الفترة الغابرة من التاريخ المصري المعاصر.

والإجابة : لأسباب عدة منها حفظ التاريخ للأجيال القادمة  وتوضيح التجارب السابقة  ( إصلاحية أو ثورية  كانت ) لتتحاشى الأجيال القادمة تكرار نفس الأخطاء بحذافيرها وحتى يبدءوا  من حيث انتهى الآخرين و لا يعيدوا الكرة ذاتها ، ولشيوع فكرة السرية والكتمان وغياب التأصيل العقدي والتاريخي لهذه الجماعات في فترة الصحوة الإسلامية التي بدأت في السبعينات وحتى الآن وتغليبها للجوانب العملية والسلوكية على حساب الجوانب التنظيرية كما يقل – ان لم ينعدم – اهتمامهم بتدوين تاريخهم وكتابته  ولإغفال كثير من الباحثين إلقاء الضوء على هذه الجماعات محدودة التأثير والاهتمام بالجماعات الكبيرة ذات القوة والشعبية وأخيراً شيوع كتابات منظري اليسار الراديكالي المغالى  مثل "رفعت السعيد ونبيل عبد الفتاح" وغيرهم  عن هذه التنظيمات أكثر من كتابات المنصفين المعايشين .. وحتى عندما يكتب الأصدقاء والمريدين .. فإنهم يكتبون ما يحبون.. باعتبار أن هذه الدعوة كاملة مكملة.. يخطئ غيرها.. وهي معصومة من الخطأ.. وهو منهج خطير في التاريخ.. منهج تبريري يغالط الحقائق.. ويجعل التاريخ روايات لا عبرة منها ولا فائدة. لذا نحاول الرصد والتحليل والتأصيل لتعم الفائدة ..


وهنا نحاول إلقاء الضوء على مذكرات المهندس "عبد الرحمن عبد اللطيف "  وهو واحد ممن صاحبهم لمدة تربو على خمس وعشرين عاماً وتربى بينهم  وكان أقاربه من الدرجة الأولى من أتباع ومريدي " الفرماوى " وقد أتاحت له هذه السنون حضور مجالس شيخهم وقراءة مذكراتهم التي كتبها إمامهم وتبعه أتباعه في ذلك وتكتسب هذه المذكرات أهميتها من كونها إضافة هامة للمكتبة الإسلامية وللمهتمين بمجال الحركات الإسلامية المصرية المعاصرة – حيث تخلو المكتبة من أي ذكر لهذه الجماعة سوى بعض القفشات وطرائف الاعتقاد  للشيخ أبى إسحاق الحوينى حينما زامل أستاذهم في نفس الزنزانة (1)  وكذلك الشيخ وجدي غنيم حينما حُبس معهم في الثمانينيات -  من شاهد عيان راجع ودرس أكثر من ألف ورقة مما دونه أنصار  إمامهم الفرماوى وقارن بين أصول الاعتقاد لدى " الشيعة " و " الصوفية " المغالين ومدى مقاربتها لأفكار هذه الجماعة وأساس الغلو والشطط لديهم مقارنة مع عقيدة " أهل السنة والجماعة " الطائفة المنصورة .

نشأة الجماعة :

ظهرت هذه الجماعة عندما خرج على الناس في بداية السبعينـــات من القرن الماضي  إمامهم  "محمد سالم الفرماوي"  - المولود بقرية ( ساقية أبو شعره) بالشرقية  في أواخر القرن التاسع عشر ميلادي وتوفى فى أول شهـــر يناير من عام واحد وتسعين وتسعمائة وألف من الميلاد عن عمر يزيد على المائة عام - 
  منادياً  بأنه عالم رباني يمشي بإلهام ونور من الله ، وأنه يتلقى الوحي من الله ، وما عليه إلا البلاغ !
كان شيخ هذه الجماعة يجيد لغة الجسد ويُسرف في استخدام المؤثرات البصرية والسمعية ويوظفها في في خطابه لأتباعه المشتاقين لنور الله وحكمته التى اختص الله بها زعميهم من دون البشر قاطبةً ، فقد كان يمكث معظم الوقت مغمض العينين له صوت خافت يشبه أنين المريض ويتمتم أحياناً بكلمات غير مفهومه مما أوحى للحاضرين باتصاله باللدن الالهى العلوى ويقذف في قلوبهم الهيبة والرهبة والتوقير له .

كان الرجل نحيل الجسد ، قصير القامة ، يرتدى العمامة الكبيرة والعباءة والحذاء الأخضر ويمسك في يده بعصا خضراء غليظة في يده وهو نوع من المؤثرات البصرية التى توحى للمتابع بيوتيوبيا مجتمع الفضيلة والجنة الموعودة حيث المروج الخضراء وانهار اللبن العذب الذى لا يتغير طمعه مما يوقف العقل ويفتح القلب على مصراعيه لتلقى الأفكار على أنها مسلمات وثوابت قطعية الثبوت قطعية الدلالة  لا تحتمل النقاش أو التأويل أو المراجعة ..

كانت البدايات حينما  بدأ يعتزل الناس ويتعبد منفردا عن الخلق ، وأحيانا يجلس لإلقاء الدروس وصار  الناس يلتفون حوله ، ويصدقوه فيمـــا يقول ، ويؤيدون طريقته التي يدعو إليها فبدأ يتكون هيكل للجماعة ، ويظهر لها شكل ملموس في المجتمع ، وسمع الناس بمبادئهم ، لكن دعوتهم لم تكن سريعة الانتشار حيث أنها مخالفة لصريح المبادئ الإسلامية المتعارف عليها بين الناس ، ولأنها مخالفة للعقول الراجحة والفطرة السليمة . 

  لم تكن فكرة " نشر الدعوة " غاية ملموسة لديهم  حيث أن مبادئهـــم تنفي الأخذ بالأسباب ويقولون إن قلوب البشر منها مؤمن ومنها كافر ، فالقلب المؤمن هو مؤمن بطبيعته فلا يحتاج إلى دعوة ، والقلب الكافر هو كافر بطبيعته فلا تنفع معه دعوة ، كما أن منهجهم في ذلك أن الدعوة تكون سلوكية فقط دون كلام ، لأن لأهل الكلام علماء كتب ، وليسوا علماءا ربانيين ، ولذلك يجب مواجهة الدعاة المتكلمبن بالصمت والسلوك الإسلامي .
  
  ولعل هذا كان من أسباب قله أعداد هذه الجماعة ، التي بلغت أربعمــــائة شخص على مستــوى الجمهورية طبقا لما ورد بإحدى الصحف  في بداية الثمانينات.

ومما امتازوا به  تقديم " العقل على النقل " ، ويقولون أن دليل المؤمن قلبه ، بدليل الحديــــث : ( استفت قلبك وإن أفتاك الناس وأفتوك ) كما كان يقول شيخهم ، فقد كانت هناك عبارة شهيرة طالمــا رددها يقول ( المعنى عندي كذا ) أي قلبي يشعر بكذا كأنه " استحسان " فقط  دون اعتبار لبقية مصادر التشريع مثل "الإجماع والقياس والمصالح المرسلة "
أما عن نظرتهم للمجتمع و معاملتهم مع سائر الناس فمن المنطقي أن يحدث تنافر بينهم وبين المجتمع لكنه لم يصل للتكفير العينى لغياب فهمهم لضوابط الكفر وموانع الايمان نظراً لسواد الأمية والجهل بينهم   بل كانوا يكتفون  بالنظر  إلي الناس على أنهم"أهل الباطل" ليس فيهم خير إذ لو كان فيهم خير لهداهم الله إلى الحق الذي هم عليه وأن هؤلاء قد خلقهم الله لخدمتهم والقيام على راحتهم فهم عباد الله وباقي البشرية خدم لهم وهـــم صفوة البرية على وجه الأرض لا يدانيهم في هذه المنزلة عالم من العلماء ولا مجاهد من المجاهدين ولا شهيد من الشهداء فكل هؤلاء تلقوا دينهم من الكتب، أما هم فتلقوا دينهم من الوحي والإلهـــام فنتج عن ذلك أن صدوا هم عن سبيل الله  فإذا لقي بعض أفراد الطائفة رجلا ً أُمياً قال عنه " هذا رجل فطرى " أي على الفطرة السليمة التي لم تُشوه بعلم الكتب ، وإذا لقي رجلا ً من الجُهال لكنه يُحب أهل الدين قال عنه " هذا رجل عنده معنى " وهي كلمة ثناء عندهم !
 أما إذا لقي واحداً من طلبة العلم  قال عنه " هذا شيطان ، هذا عدو، هذا مُحمّل بأباطيل الكتب ولا رجاء في هدايته ولا فائدة في نقاشه !

  فأفكار انعزالية بحتة وجيتو منغلق يضيق بأتباعه ويقيد أفكارهم  ويفرض عليهم ( وجوب الأمية وتحريم التعليم وترك الاخذ بالاسباب وفهم التواكل على أنه توكل وتصنيف الناس إلى بر بالفطرة وفاجر بالفطرة والاخذ بالقرآن فقط وعدم الاعتراف بالسُنّة " الحديث " والتفسير والفقه وغيره ) لهى أفكار تحمل في طياتها أسباب فنائها وعدم تقبل المجتمع لها مما أدى لتشرذم الأتباع بعيد وفاة مؤسسها أو يمكننا القول أنهم في طريقهم للاندثار فأعدادهم الآن لا تتجاوز الخمسين شخصاً على مستوى الجمهورية معظمهم تقدم في السن ولم يبق من أولادهم على نفس الايدولوجية سوى أعداد لا تتجاوز أصابع اليد دون توافر رابط فكرى يجمعهم ويعيد ترتيب صفوفهم المتهالكة لعدم توافر مرجعية شرعية تستكمل البناء الأصولى لما وضعه زعيمهم الراحل وهذا ديدن الجماعات الشاردة التى تعتمد على شخصية كاريزمية واحدة فيقل وميضها ويخفت تأثيرها بوفاته  كما حدث مع جماعة السماويين لزعميها "الشيخ طه السماوي " أو جماعة الشوقيون لإمامهم " شوقى الشيخ " أو حزب الله المصري لقائدها "احمد طارق ".



في الجزء الثانى من ذكرياتى مع جماعة الفرماوية نتناول : الأصول العقدية للجماعة الفرماوية (2-2)