الأربعاء، أغسطس 28، 2013

مسكنات إجتماعية ونفسية للتعايش مع الأزمة الحالية (الشيماء تاج الدين)



نحتاج جميعا كمجتمع الى لملمة جراحنا النفسية ورأب الصدع المنتشر فى علاقاتنا الإجتماعية بالآخرين .. ولأننى بحثت كثيرا عن من يتبنى هذه القضية ولم أجد .. بعد أن دخل الجميع فى دائرة الاستقطاب الحاد الأعمى الذى لا يرى خارج حدود الإطار الصارم القاسى الذى رسمه لنفسه .. بما فيهم أهل الاختصاص أنفسهم ..
واجتهادا منى إلى أن يتفرغ أحد المتخصصين للاهتمام بهذا الأمر حاولت أن أصيغ بعض النصائح لمن أراد أن يستعيد علاقاته بالآخرين .. وأرجو من الله أن يوفقنى لذلك على قدر طاقتى واجتهادى ...

أولا :
حاول بقدر الامكان تجنب أى نقاش فى الشأن العام مع أصدقائك ومعارفك وأقاربك المختلفين معك فى رؤيتك السياسية .. أغلب علاقاتنا الاجتماعية فى الأساس لم تكن قد بنيت على التواصل من خلال الاهتمام بالشأن العام .. فحاول أن تتناسى ذلك ولو مؤقتا .. حتما ستجد بينك وبين أخيك الذى تربى معك فى بيت واحد مئات وآلاف الذكريات المشتركة التى يمكنكم التحدث حولها .. هناك الكثير من شئون الحياة والمستقبل والأولاد والتعليم والصحة وأمور كثيرة بينكم يمكن تناولها ...
وانتبه جيدا لفخ أن يجعلك انسجام الحوار وتناغمه فى الأمور الأخرى تتوقع أن تنسحب هذه الروح المتسامحة على أى حوار آخر فى الشأن العام ..

ثانيا :
يجب أن نتعود فى الفترة القادمة كأفراد ألا نحمل الأشياء فوق ما تحتمل .. لا تعتبر كل فرد منتمى لتيار مسئول مسئولية تامة وكاملة عن كل ما يفعله هذا التيار .. فمحددات الإنتماء لأى تيار فكرى أو اجتماعى أو دينى أو سياسى لدى نسبة كبيرة من أفراد المجتمع لا علاقة لها بالتوجهات الأيديولوجية والفكرية الحقيقية وأغلبها تكون محددات اجتماعية ونفسية بحته .. فهناك من ينتمى لتيار لأن وجوده بداخله يرفع معدلات ثقته بنفسه ويحقق له المزيد من تقدير الذات .. هناك من يظن أن وجوده داخل تيار يضمن له درجة من درجات الأمان النفسى والإجتماعى وربما المادى أحيانا ..
لا أنفى مسئولية الأفراد عن اختياراتهم .. ولكن فى الأساس نحن أبناء مجتمع لا يتيح لأفراده مساحات حرة للاختيار الواعى .. وأغلب اختياراتنا فى الحياة جاءت من فكرة هذا ما وجدنا أنفسنا عليه ..
قناعتك بذلك ستزيد من معدل تعاطفك الإنسانى المجرد مع الانسان باعتباره عقل وروح وجسد وضمير ووجدان وليس كتلة صماء خاضعة لقواعد علمية ممنهجه وردود أفعال مدروسة بعناية ..

ثالثا :
عليك أن تتناسى انتماءك الفكرى والأيديولوجى وأثناء تفاعلك الانسانى والاجتماعى مع الآخرين .. لأن وضع صورة هذه الانتماء فى وجه من يتحدث إليك تجعله ينسى كونك انسان ويتعامل معك بصفتك سياسى وبالتالى يستحل الهجوم عليك وكيل الاتهامات لك بمنتهى البساطة .. لا تفقد صفتك الانسانية وأنت تتحدث مع الآخرين فى شئون الحياة العادية ..
وهناك ذلك المثال لهذه الصورة التى انتشرت بالأمس على صفحات الفيس بوك لصديقة تضع صورة السيسى تهنىء صديقتها بمولودتها الجديدة فاذا بالصديقة الأخرى ترد عليها بأنها أسمت مولودتها باسم الشهيدة اسماء البلتاجى الذى قتلها رصاص التفويض الذى قامت به صديقتها !!!
وضع كل منهما لصورة انتماءهم فى الواجهة جعل الحديث الانسانى العادى بين سيدتين للتهنئة بمولود يتحول الى نقاش سياسى مؤلم ...

رابعا :
يجب أن ندرك تماما أن مساحات النقاش العقلى والمنطقى تقلصت كثيرا بفعل شدة الأحداث وقسوتها على النفس .. فلا تنتظر ممن فقد قريب أو صديق فى أحداث عنف أن يناقش الأمر بهدوء وروية ويفكر فى مراجعة نفسه واستدراك ما فاته .. هو يحتاج لأن يزداد قناعة بما لديه من أفكار ليحافظ على توازنه النفسى ... فلا تكن قاسيا وتصر على أن تناقشه فى الأسباب أثناء معاناته الشديدة من قسوة النتائج ..

خامسا :
حالة التفكك الاسرى الذى انتشر كثيرا فى السنوات الأخيرة فى مجتمعنا .. ربما ساهمت فى أن الجميع أصبح يبحث عن أحضان بديلة خارج اطار الأسرة والعائلة ... وعند حدوث الاختلاف فى الرؤى والتوجهات نجد جميعا من هم أقرب لأفكارنا من أهلنا فيحدث نوع من استسهال القطيعة بين أفراد الأسرة نظرا لتوفر البديل ... نحتاج لجهود أهل الاختصاص فى العمل على استعادة الأسرة لمكانتها الاجتماعية السابقة لتجنب الكثير من المخاطر الاجتماعية والنفسية ...

وأخيرا
فان هذه النصائح التى تبدو وكأنها تحمل قدرا كبيرا من السلبية وتدعو إلى عدم الفعل أكثر مما تدعو للفعل .. هى فى واقع الأمر محاولة للتعايش مع الأزمة الحالية والخروج منها بأقل قدر من الخسائر النفسية والاجتماعية .. ولا تقدم هذه النصائح الحلول المثلى والنموذجية لمشاكلنا .. ولكن ربما الحلول الأنسب .. فليس الحل المثالى أن نتجاهل الحوار مع الأقربين لأن الأصل فى العلاقة بيننا وبينهم يجب أن تكون قائمة على الصراحة والوضوح والشفافية .. ولكن هل نحن مؤهلين للقيام بذلك ؟ هل لدينا القدرة على إدارة حوار موضوعى جاد دون أن يتحول بعد دقائق إلى جدال لن ينتهى إلا بمزيد من الجراح النفسية ؟
إلى أن نتعلم كيف نبنى علاقاتنا وكيف ندير حوار مع الآخرين والى أن نتعلم الطرق المثلى للتعامل مع مشكلاتنا ليس لدينا ما نفعله سوى تناول هذه المسكنات الاجتماعية أملا فى ان يهدأ جسد هذا الوطن الجريح قليلا .. وبعدها نفسح المجال لأى تدخل طبى أو جراحى جاد يمكنه ايجاد حل حقيقى للأزمة ..

والله الموفق والمستعان

الشيماء تاج الدين