بسم الله والصلاه والسلام على رسول الله ... أما بعد
النقد الذاتي ظاهرة صحية في المؤسسات والمجتمعات المتحضرة، بل هو جزء أساسي من عملية التطوير والتقويم المستمر، وطالما كان الأمر كذلك، فما أحوج الحركة الإسلامية إلى ثقافة النقد الذاتي، من أجل ترشيدها، وتخليصها من أمراضها. فالحركة الإسلامية محاصرة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وتوجه إليها سهام النقد ليل نهار، قاصدة تشويهها أمام شعوبها وأمام العالم، ومن شأن النقد الذاتي لها أن يبصرها بعيوبها، ويشير لها إلى الطريق الصحيح، من أجل أن تلتحم أكثر بشعوبها، ومن أجل أن تنجو من المؤامرات والمكائد فقد جرت العديد من المراجعات في السنوات الماضية، خاصة مع ازدهار العمل الإسلامي ووصوله إلى مساحات جديدة وأفاق متعددة، وابتلائه بالعديد من الأمراض والأخطاء. وهذه المحاولات الصحية في نقد الحركات الإسلامية وترشيد مسارها، إذا افترضنا فيها حسن القصد والتوجه، فإنها تأتي لتثري العمل الإسلامي وتقدم له إشارات تسوقه إلى الطريق الصحيح، وتضع له كوابح تمنعه من الانجرار إلى الأخطاء الكبرى، خاصة إذا كان هذا النقد صادرا من أهل الفكر الإسلامي المعروفين بالثقافة والخبرة والمعرفة، والذين لا ينطلقون من منطلقات شخصية خاصة، أو من حسابات ضيقة.
لكن الملاحظ أن الحركة الإسلامية، بفصائلها المختلفة، تضيق بالنقد الذاتي، ولا تتحمله، وتشكك في مصداقيته وجدواه. وكثير من الإسلاميين ينطلقون من أن العمل الإسلامي محصن دينياً وأخلاقياً وواقعياً ضد الخطأ والانحراف، وبالتالي فليست هناك جدوى من نقده. ومنهم من يعتقد أن من يوجه أي نقد للحركة الإسلامية، في أي مستوى من مستوياتها، إنما هو عدو لهذه الحركة وكاره لها ومتآمر ضدها، ويستبعدون تماماً أن يكون هناك مثقفون إسلاميون، محبون للحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت ينتقدونها.!! هكذا فقدت الحركة الإسلامية المبدعين أصحاب الفكر الذكي، ومع الوقت تحول التنظيم إلى آلة من الممكن أن يتحكم في توجيهها إنسان متواضع الثقافة والرؤية والأفق، ولأن الأمور داخل التنظيم تركز على الطاعة والولاء والالتزام والفدائية ونكران الذات، وليس على قيم التواصل مع الأمة والمجتمع الأكبر، من حقوق وواجبات وأدوار، فقد تحول العمل الإسلامي إلى وظيفة وروتين يتقلده الأكثر طاعة وولاءً، وليس الأكثر ذكاءً ووعياً وعطاءً، كما زاد الوعي الحركي والتنظيمي والسياسي لشباب الحركة، في الوقت الذي قلت فيه خبراتهم الاجتماعية، وعمقهم الثقافي والفكري
وهكذا أصبح النقد الذاتي في الحركة الإسلامية شديد الأهمية من أجل الخروج من إطار العقل التنظيمي المحدود إلى العقل الإصلاحي، الذي يهتم بإصلاح الأمة والشعوب والعمل التنموي والأهلي بعيداً عن الصراع مع السلطة التي استنزفت جهود الحركات والمجتمعات الإسلامية إن عملية النقد الذاتي لا تخاف منها إلا حركة هشة غير واثقة من صلابة أفكارها ومن مشروعية وجودها، فهي تخاف من أدنى نقد يمكن أن يوجه لها لأنه يمكن أن يقوض وجودها ويفضح هشاشتها، وهو ما لا يمكن أن يقبل أن يصدر من حركة سياسية واجتماعية تستمد من مبادئ الإسلام الراسخة مشروعيتها ومن إنتاجات الفكر الإسلامية الوطيد أفكارها وتصوراتها.بل على هذه الحركة أن تشجع على مثل هذا النقد لأنه يضمن لها من التقويم والإصلاح ما يجعلها أكثر فعالية وأكثر نجاعة في خدمة المجتمع ونشر مبادئ الإسلام وأفكاره. إن أي تيار فكري لا يقبل النقد الذاتي والمراجعة المرحلية لا يعدو أن يكون أحد صنفين: - إما تيار معتد بنفسه معتقد بعصمته لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يوجه له أحد أصابع النقد والتصويب، فهو – كما يرى – أرفع وأرقى من أن يخطئ أو يُصَوَّب. - وإما تيار شديد الهشاشة مبني على جرف هار يخاف أن يسقط بنيانه وتتفكك تركيبته إذا ما وجه إليه النقد أو طغى على ساحته نقاش يمكن أن يشكك في بعض أفكاره أو تصوراته।
لقد شهدنا على مدى التاريخ الإسلامي حركات اعتقدت أن مجرد اعتمادها للقرآن والسنة يضفي عليها طابعا من العصمة يجعل من المستحيل مناقشتها أو نقدها، وترسخ نوعا من الثيوقراطية الاجتماعية المذمومة، فهم لا يقبلون نقد ممارساتهم ويعتبرونها تنهل من منهل الوحي وكأن الوحي ليس له إلا تفسير واحد هو ما يراه قادة هذه الجماعة أو تلك، وهي بهذا المنهج الإلغائي تزيح كل تصويب أو نقد يمكن أن يوجه لها، ونجد ذلك واضحا وجليا في الحركات الصوفية التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي. إن على الحركات الإسلامية ألا تخاف من سهام النقد خصوصا تلك التي تأتي من أعضائها ومريديها ما دامت معتقدة أن مبادئها أقوى من أن تنهار لمجرد نقاش قد يفتح حول مسارها وأخطائها، بل يجب عليها أن تعلم أن هذا النقد إنما هو مصدر قوة يضمن لها بناءا فكريا وتنظيميا قويا ومتوازنا يمكن أن تخرج به إلى المجتمع وأن تقيم على أساسه برامج إصلاحية لتنزيل مشروعها المجتمعي في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأمام أعيننا تجارب رائدة في المغرب وفي مصر وفي الجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية حيث قامت الحركات الإسلامية بمراجعات فكرية وسعت هامشها وزادت فعاليتها واستطاعت النجاح والتقدم في ممارستها بعد أن قامت داخلها حركة نقدية ساهمت في تقويم مسارها وتصحيح أخطاها وإعطائها دفعة قوية فصارت بذلك أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر قبولا ونجاعة في تنزيل مشروعها الإصلاحي في بلدانها إن من الظواهر السلبية في الحركة الإسلامية، والتي ينبغي لمناهج النقد الذاتي الالتفات إليها والاهتمام بها، الاعتقاد السائد لدى قطاعات واسعة من الحركة الإسلامية أن التنظيم غاية في حد ذاته، وأن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال التنظيم. وسادت ثقافة التنظيم والاهتمام به على ما عداها من القضايا، وباتت خدمة التنظيم هي الهدف الأساسي، وليس خدمة المجتمع وعوام الناس، وأصبح فهم ووعي شباب الفصائل الإسلامية للقضايا العامة وتفاعلهم معها يغلب عليه العمومية والانطباعية والكسل في التتبع الثقافي للقضية العامة، والرومانسية الحالمة البعيدة عن الواقع، وذلك لأن الوعي بالقضية العامة يقررها له التنظيم، وصاحبنا يريح نفسه ويعتمد على الثقافة التي يتيحها له التنظيم.
وهكذا فإن التنظيم أوجد في المنتمين إليه العقلية شبه السطحية وغير العميقة، فهو لا يهتم ولا يدرك إلا المباشر، ولذا نجده لا يتفاعل مع القضية العامة إلا بمقدار ما يكون له صلة بما يقوله التنظيم أو يمارسه. وهذا يفسر ضعف ثقافة أعضاء الحركات الإسلامية في التفرقة والتمييز بين ما يمكن أن يؤثر على الحركة الإسلامية مباشرة وما قد يؤثر عليها أكثر ولكن بطريق غير مباشر.
وأعداء الحركة الإسلامية وكارهوها يعملون جاهدين على أن تظل الحركة سطحية الثقافة معتمدة على الآليات المباشرة في الفهم والحركة، ولذلك فهم يعملون على توفير فرص التعبير الديني الظاهر والكثيف في وسائل الإعلام، وفي نفس الوقت يبذلون كل الجهود الممكنة لمنع الحركة الإسلامية من اكتساب الخبرة السياسية والاجتماعية الناضجة، والتي تمكن الحركة من أن تصبح مستقبلاً بديلاً كفؤاً للتيارات العلمانية سياسيا ..
مقال اكثر من رائع اضم صوتى لصوتك واحييك على فتح مثل هذا الموضوع بهذا الفكر المنفتح وانا ارى ان النقد الذاتى وحده وان كان مهما الا انه يجب تقبل النقد من الاخر بل وعرض بعض الافكار والخطوات التى تنتهجها الحركة الاسلامية على اهل الفكر ممن هم خارج الصف التنظيمى بل ومتابعة المقالات والكتابات التى تنتقد الحركة حتى ان كانت ممن لا يوالون فكرتنا لاننا بالتاكيد سنستفيد من ذلك وفى الحقيقة من يقرا مقالك يظن ان الحركات الاسلامية وفى مقدمتها الاخوان المسلمين كبرى الحركات الاسلامية لا تقوم بهذا النقد الذاتى او قبول النقد من الخارج وهذا ليس دقيقا لانى ارى هذا الامر وهو النقد موجود وان اختلفنا فى كمه وكيفه ولكنه موجود وانا ارى ان الاخوان مثلا انفتحوا على المجتمع بصورة كبيرة واتمنى ان تخطو باقى الحركات العاملة خطوات بهذا الاتجاه ايضا وارجو من الله بعد هذه الثورة المباركة ان تزول الفرقة بين الحركات الاسلامية وهذا من وجهة نظرى اخطر شيئ يهدد العمل الاسلامى ان يصبح بأس الحركات الاسلامية بينها شديد .
ردحذفجزئية اخرى اظن ان مسالة الكلام عن ان الحركات اصبحت تهتم بالتنظيم اكثر من الانفتاح والاصلاح هى مسالة اظن انها غير صحيحة والواقع يعكس ذلك فمثلا الاخوان قالوا ان التيار المحافظ هو من سيطر على الجماعة والجماعة بذلك رجعت الى القرون الاولى والواقع غير ذلك فجاء من سموهم بالتنظيميين بما لم ياتى به الاصلاحيون من انفتاح على الاخر بل والاهتمام بالاصلاح اكثر ولا عيب ابدا من الاهتمام بالتنظيم بل محمود جدا ان نقوى بيتنا الداخلى ونحافظ على الكيان المتماسك للحركة بشرط ان يأخذ العمل الاصلاحى حقه لانه ان انهار التنظيم فلن يكون هناك اصلاح ولن يكون هناك عمل ومرة اخرى اخى الحبيب احييك على براعتك حقا فى هذا التنظير الذى واقسم بالله اثار اعجابى الشديد مما يدل على تأثير التنظيم الذى هاجمته فى تكوين فكرك الرائع
جزاك الله خيرا اخ محمد عزام ولنا عودة للتعقيب ان شاء الله قريباً
ردحذفجزاك الله خيراً استاذنا النقد فى رأيى ينقسم لقسمين
ردحذف1- من داخل الجماعة : وهو ضرورة عمل مراجعه شامله لأسلوب وافكار وآليات الجماعة منذ نشاتها وحتى اليوم وبيان مواطن الضعف والقوة فلا يعقل ان يطالب السلف بمراجعات وهم لا يقبلوا مراجعاه أنفسهم والعكس صحيح ولنا أسوة حسنة فى الجماعة الاسلامية التى قدمت مبادرة رائعة ونظرت لافكارها من جديد واعترفت بخللها السابق وكذلك وثيقة ترشيد العمل الجهادى للدكتور فضل التى اصل فيها لضرورة تغيير أطر وفكر الجهاديين وهو شىء يحسب لهم عسك البعض الذى مازال مؤمن بانه معصوم
2- خارجها : وهو ما يجب تشجيعه وعدم ذبحه وتخوينه لان النظام القائم على اسس سليمة لا يتورع عن الاستفاده من اى نصيحة مهما كانت
اخي الحبيب لي ملحوظتان وارجوا ان يتسع صدري لي ولكلامي
ردحذف1-يجب ان نتفق أولا علي القاعدة التي تقول ان هناك فرق كبير بين مقام الدعوة ومقام الجهادفمن الظلم البين المساواة بين رجل خرج للجهادوهويحمل هم كل شيءفي قلبه(ماله- وبيته- واولاده-حياته)كل هذااثر علي عقله وتصرفاتهحتي ان الله وضع عنه بعض المحرمات فله ان ياكل الميته والايقيم السنن هذا لو أخطأ له الف عذر للملابسات المحيطة (فالزني المحصن يختلف عن الزني الغير-وتارك الصلاة متكاسلا يختلف عن الجاحد بها )الشاهد من كلامي ان الملابسات المحيطة هي التي تحكم علي الحدث ورجل اخر جلس في مكتبة المكيف بملابسه النظيفةوامامه امهات المراجع والكتب وانتقد اناس تعرضوا لشتي الوان العذاب والتعذيب والتي تعرفها انت اكثر مني مما جعلهم يعملون في الظلام كالخفافيش وكانت الضربات لهم مؤجعة ولاسيما الاعلام وقد ذكرت هذا في مطلع كلامك والقصص فيها كثيرة ومحزنةفي ظل النظام السابق الذي خلع عليهابالاجماع الجماعات الارهابية وكان الانتماء اليها جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والاقدام ثم ناتي لنقيهما بعد كل هذا اعده منافيا للصواب
2- مع كثرة الجماعات الاسلامية في الوطن العربي انت لم تحدد جماعة معينة بهيكلها الاداري والتنظيمي ثم تحدد النقد والعلاج لها كمابينت في مقدمة كلامك هناك جزئيات صغيرة ايضا محل للنقاش اذكرها لك لو وافقتني علي ماذكرته أنفا لاانسي ان اشكرك علي هدفك السامي النبيل الذي لاجلة كتبت المقال بارك الله فيك واحسن اليك
جزاك الله خيراً استاذ ابو عاصم :: معذرة لم ارى تعليقك الا الان :
ردحذف1- بالنسبة لللنقطة الاولى : نعم سيدى اجبرنا عقود على العمل فى الظلام نتيجة القمع والارهاب البوليسى ولكن الان بفضل الله بعد نجاح ثورتنا العظيمة - والمقال كتب بعد الثورة - آن الاوان ان نتغير ونتطور مع الزمن ونلاحقه فقد مضى زمن الخوف والترهيب بلا رجعة ان شاء الله فالواجب علينا ان نعمل فى العلن الان بكل شفافية ووضوح.
2-ليس المهم اسقاط الكلام على جماعة بعينها الاهم ان تتطور كافة الحركات الاسلامية وتغير استراتيجيتها الدعوية وفقاً لاحداث الزمن والعصر فالاغلب ان لم يكن الكل يعتقد انه بمجرد ان يستقى منهجه من الكتاب والسنة والاجتهدا فهو معصوم ولا يقتنع ان تطبيقة قد يكون خاطىء رغم انه يستقى من الصحيح. ,,,, فى انتظار مزيد من تعليقات حضرتك ولك جزيل الشكر (ahly)