الاثنين، سبتمبر 01، 2014

سيداً بين مادح وقادح !

فى خضم الجدل الدائر حالياً بين نجاعة التغيير الهرمى أو الأفقى وفى الذكرى الخمسين لرحيل الأستاذ الأديب الفذ سيد قطب - رحمه الله - أعيد نشر نقاش ثرى تم منذ عامين تقريباً فإلى نص المقال :


لم ولن ينتهى الجدل والنقاش عن شخصيات فذة مثل أبو الأعلى المودودى وسيد قطب و عبد الله عزام بموتهم بل ساهم ثباتهم على أفكارهم - حتى لو كان المقابل حياتهم - فى رواج أفكارهم بين مادح مغالى ومبغض متعالى أو من اختار التوسط والاعتدال 



(فى ذكرى وفاة الاستاذ سيد - رحمه الله - دار هذا النقاش مع استاذ الشريعة بجامعة الأزهر ( وصفى عاشور أبو زيد ) - حفظه الله

نشر الأستاذ د. وصفي أبو زيد مقالا فى ذكرى الأستاذ سيد قطب رحمه الله بعنوان ( سيد قطب.. الثبات والخلود ) وهو مقال يفيض عذوبة لغوية وعواطف جياشة ليست بغريبة على الكاتب الكريم ولكن استهل بوصف الشهيد - بإذن الله -  بعبقرى الإسلام مرة واحدة على منوال كتاب " عملاق الفكر الإسلامى " للأستاذ عبدالله عزام فى وصف أستاذه سيد قطب رحمهما الله _ فإن كان يقصد انتاجه الأدبى فقد سبقة كثيرون مثل العقاد وشاكر وإن كان يقصد انتاجه الفقهى فللجميع عليه ملاحظات عدة مثل " الحاكمية " و" الإستعلاء الايمانى " و " جهلنة المجتمع " و " الطليعة المؤمنة " و" الجيل القرآنى الفريد " فى سياق فقهى غريب على المجتمع المصرى الوسطى الذى لم يعتد تلك المصطلحات الصادمة ومع ذلك لم يتم الغربلة والتمحيص لتلك الافكار سوى جهود متواضعة لم تكتمل  للبعض ، واستدعاء أستاذنا للفظة " الطاغوت " تحتاج تبيين هل يقصدها بالمعنى الجهادى الذى يكفر الموصوف أم لا وهل ينظر للخلاف بين الإخوان وعبد الناصر قديماً على أنه خلاف سياسى ام عقدى وكذلك الخلاف مع "السيسى" اليوم ؟ وهى لفظة لم نعتدها من الاخوان قديماً ولكن سمعناها فى سياق ألفظا اخرى جهادية تم استدعائها بعيد #انقلاب_3_يوليو مثل " دفع الصائل " و" دار الاسلام ودار الكفر " وغيرها ،وفى السطر الثانى ربط بين " محنة السجن " و " صفاء خواطره " بل ووصفها بالخلود ... وكيف ذلك وهو لم يراجع أى كتب تفاسير فى سجنه القاسى ! واعتقد ان الخواطر تحتاج غربلة عقدية شجاعة من بعض الدخائل الواضحة ، أما باقى النقاط فاتفق معها ... والله من وراء القصد .

وكان رد أستاذنا علمياً ثرياًَ كالتالى :

أولا: وصف سيد قطب بعبقري الإسلام هو من عنوان رسالة دكتوراه بعنوان: "سيد قطب عبقري الإسلام"، وقدمها أستاذنا المرحوم د. عبد الصبور شاهين، والمتأمل في فكر سيد قطب وإنتاجه عبر كتبه الفريدة التي ألفها، لا يتردد في وصفه بالعبقرية.

ثانيا: هل سبْق سيد قطب بالعقاد وشاكر وغيرهما ينفي عنه العبقرية؟ إن كان كذلك فالرافعي والعقاد وشاكر ليسوا عباقرة لأنهم مسبوقون بأكثر منهم عبقرية، مثل الجاحظ وأبي علي القالي والبحتري وأبي تمام وأبي حيان التوحيدي والمتنبي، وغيرهم.

ثالثا: ما يتصل بالحاكمية والاستعلاء الإيماني والجاهلية هي مصطلحات فكرية وليست فقهية، ويجب أن تقرأ في سياقها، وأن تضبط مضامينها عند سيد قطب، وأقترح عليك أن تراجع كلام سيد قطب عن "الجاهلية" في مواضعها الأربعة في القرآن الكريم، ولا أظنك ممن يقوم بترديد ما يسمعه من هنا أو هناك، دون تحقيق أو وعي، فأرجو أن تقرأ للرجل كلامه ومصطلحاته في سياقاته المقامية المقالية.

رابعا: من قال إن المجتمع المصري مجتمع وسطي؟ هل هو وحي من الله مسلم به أن مجتمعا ما وسطي؟! وكيف حال المجتمعات غير المصرية؟ المجتمع المصري فيه اليمين والشمال والوسط مثله مثل باقي المجتمعات.

خامسا: لفظة الطاغوت أعني بها المتجبرين والمستبدين الذين اعتقلوا سيد قطب وأعدموه بسبب فكره فقط، هو وعشرات مثله، كما أن المصطلحات التي أوردتَها قديمة وليست وليدة الانقلاب الأسود!

سادسا: تقريرك بأن سيد قطب لم يرجع أو يراجع أي كتب تفسير أثناء تفسيره للقرآن، دليل قطعي عندي على أنك لم تقرأ صفحة واحدة من الظلال؛ إذ الظلال فيه خلاصة تفسير ابن كثير الذي يعتبر تهذيبا لتفسير الطبري الذي يعد بدوره أبًا للتفسير بالمأثور.

أخيرا: سيد قطب بشر، يصيب ويخطئ، ويؤخذ من كلامه ويترك، ولكنه سيظل علما في سماء الفكر، ونجما من نجوم التفسير، ورمزا من رموز الثبات والإرادة والصلابة الذي ستظل الأجيال تستلهم ثباته وشموخه، رغم ما يثيره الكثيرون من مآخذ وملحوظات.


فتبعته برد أخير كالتالى :

1- لا مشاحة فى اللفظ " عملاق الفكر الإسلامى " خصوصاً من عالم فقيه مقاصدى ولكن خشية الغلو والتقديس تجعلنا ندعو إلى التوسط فى تقييم السابقين واللاحقين - شيخ الاسلام ، فيلسوف العصر ، الملهم الموهوب -خصوصاً مع قلة العلوم الشرعية لدى متلقى اليوم وأنا أولهم فيختلط التوقير بالتقديس .

2- قضايا الحاكمية والجاهلية والطليعة المؤمنة ليست قضايا فكرية ترفية داخل كتب الاستاذ سيد بل اعمدة للدين لا يصح بدونها وقد اعتبرت " مانفستو الجهاديين " ولنا أن نراجع شروحات( العبيرى والسباعى وابو قتادة وسيدإمام وعمر بكرى) وغيرهم لها فهل نعتقد أن نص كهذا "
الظلال (4/2122): ( إنه ليس على وجه الأرض اليوم دولة مسلمة ولا مجتمع مسلم قاعدة التعامل فيه هي شريعة الله والفقه الإسلامي ). ومعنى كلامه واضح وجلى وكذلك (4/2009) :" إن هذا المجتمع الجاهلي الذي نعيش فيه ليس هو المجتمع المسلم ". نص أدبى أم تكفير للعموم دون جريرة أو مراجعة أو فرصة حتى للإستتابة ؟!

وكذلك في الظلال (5/2707) في سورة القصص عند قوله تعالى (( وهو الله لا إله إلا هو )):( أي فلا شريك له في خلق ولا اختيار ) ، ففسر معناها بتوحيد الربوبية تاركا معناها الذي يجب ان تفسر به في الدرجة الأولى وهو توحيد الألوهية ويتضح مدى اضطرابه فى الخلط بين أنواع التوحيد .. كان رحمه الله لا يحاسب الناس إلا على مخالفة الحاكمية والتى طورها من كتابات أبى الاعلى المودودى - رحمهما الله -  ولا يدور في تفسيره لـ (لا إله إلا الله)إلا على الحاكمية والسلطة الربوبية مفرغاً لا إله إلا الله عن معناها الأساسي الذي جاءت به الكتب وجميع الرسل ودان به علماء الإسلام مفسرون ومحدثون وفقهاء(لا معبود بحق إلا الله)وسيداً - رحمه الله - سلك مسلكاً في تكفير الناس لا يقره عليه عالم مسلم(عارضه أبو الحسن الندوي وحسن الهضيبي ويوسف القرضاوي)فهو يرسل الكلام على عواهنه في باب الحاكمية ويكفّر عامة الناس بدون ذنب. وقد أّول صفة الاستواء - وجعلها هيمنة وسيطرة معاذ الله - وأول صفة اليد وبعض الصفات وقد رد أحاديث الآحاد
قال في الظلال (6/4008):" وأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في أمر العقيدة والمرجع هو القرآن ".

وقد رد مولانا د.يوسف القرضاوي Al Qaradawi في كتابه " أولويات الحركة الإسلامية " ص 110 حيث قال : " في هذه المرحلة ظهرت كتب سيد قطب التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره الذي ينضح بتكفير المجتمع ....... وإعلان الجهاد الهجومي
على الناس كافة ".
وقال الأستاذ فريد عبدالخالق- رحمه الله - فى كتابه " الإخوان المسلمين في ميزان الحق "ص115 :" إن نشأة فكرة التكفير بدأت بين بعض شباب الإخوان في سجن القناطر في أواخر الخمسينات وبداية الستينات وأنهم تأثروا بفكر سيد قطب وكتاباته وأخذوا منها أن المجتمع في جاهلية ، وأنه قد كفر حكامه الذين تنكروا لحاكمية الله بعدم الحكم بما أنزل الله ، ومحكوميهم إذا رضوا بذلك ".

3- المقصود بوسطية تدين المجتمع المصرى هو فهمه المعتدل لروح ومقاصد الشريعة بلا غلو كبعض بادية الخليج  أو تفريط يمسخ الأفهام وقد هيىء لنا الله عزوجل الأزهر (جامعاً وجامعة ) ليكون حارساً لهذا الفهم - مع اختلافى مع عقيدة الأشاعرة فى التوحيد وغيره-.

4-توضيحكم بوقفة لفظة " الطاغوت" عند معناها اللغوى دون الامتداد لتكفير المعين بها توحى بأن الخلاف سياسى وليس عقدى واعلم تماماً أنها مصطلحات فقهية قديمة ولكن قام بعض الشباب المتحمس باستدعائها بعيد الانقلاب وتحويل الصراع إلى إيمان أو كفر وهو خروج بالغ على فكر الإمام البنا وكتاب ( دعاة لا قضاة ) الشهير ينبغى تصحيحه الان قبل أن تنشر النار ولا يستطيع أحد اطفائها.

5- البيئة المظلومية النفسية والسيكولوجية التى كتب فيها الاستاذ سيد خواطره لا تسعفه فى الرجوع للتفاسير المعتبرة وشروحاتها من أهل العلم المقدرين وقيامه بالتمحيص والترجيح للأراء يحتاج جهود هائلة لن تؤتى وراء قضبان الظلم والمحنة فكانت نظرته شديدة السوداوية لغير فكرته واحتكار الحق المطلق والايمان الكامل وهو  لم يؤتى لأحد من البشر بعد وفاة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وقد قرأنا الظلال فى سنى الطفولة بل وكتبنا فيه كتاباً مغالياً بعنوان " القول السديد فى الإمام الشهيد " وكان الاهداء للشهيد - بإذن الله - عبد الله عزام رحمه الله نهلنا منه الافكارالحماسية فى فورة الشباب حتى توسعنا ب " المورد العذب الزلال فى التنبيه على أخطاء الظلال " و كتاب((في ظلال القرآن))لسيد قطب - رحمه الله-ما له وما عليه وغيرها وآمنا بأن الغلو فى السابقين نوعان نوع يقدس كل ما آتى منهم ونوع يهيل التراب عليهم والخير كله فى التوسط بذكر الفضائل والمثا
لب ........ والله أعلم.


رحم الله سيداً وغفر له زلاته ورزقنا جميعاً قولة حق فى وجه سلطان جائر...)