الثلاثاء، فبراير 21، 2017

وسطية الخُلان فى نعى الشيخ " عمر عبد الرحمن "

{وسطية الخُلان فى نعى الشيخ "عمرعبد الرحمن"} :

بقلم / أحمد خليفة 

رحل عنا أمس الداعية المقدام عمر عبد الرحمن - رحمه الله تعالى - وكعادة البشر فى اختلاف الاراء فى العلماء  بين مغالى متحمس أو مجافى مضاد وتلك هى طبيعة الناس فى كل زمان ولكن ما يهمنا هنا الاشارة الى المنهج الوسط للتقييم إجمالاً .

بالقطع الشيخ كغيره له ما له وعليه ما عليه وحتى لا نشطط فى الميزان أو تغلبنا الحماسة والعاطفة نأخذ هذه الوقفات :

{يحسب له صدعه بما يراه حقاً دون مواربه أو تجميل وتحمله ثمن ما آمن أنه كلمة حق فى وجه سلطان جائر وما أكثر سلاطيننا . وفى نموذج عملى لدمج العلم الشرعى بالعمل الحركى لم يكتف بتأليف الكتب والمجلدات فى خلوته بل اندمج فى المجتمع الفيومى المتعطش لكلمة حق من دعاة الازهر الاجلاء الذين آثر بعضهم السلامة ، وحينما صاح بها " رهين المحبسين " - السجن والعمى - أقبلوا على دروسه أفواجاً حتى كان مسجد ( فيديمين ) يمتلىء عن آخره فقد جمع بين الصوت الندى الذى يحبر القرآن الكريم تحبيراً وبين علوم الحديث والفقه و السيرة فى تبسيط غير مقل ولا سرد مخل حتى أنه حينما كان يتحدث فى خطبه عن (( فرعون)) كان الجميع يعلم بوضوح من يقصد ! ، ولا ينسى له مساهمته الفاعلة فى حقن دماء شباب الدعوة - وليته استمر على ذلك - حيث قام أحد مخبري أمن الدولة بقتل أخ وهو يهم بإلصاق إعلان عن محاضرة للشيخ بمدينة أسيوط، وثارت ثائرة الشباب، رغبة في الانتقام من هذا الفعل الغاشم ، ولكن الشيخ من منطلق حرصه على أبنائه - ولم يكن قد مضى وقتها على خروجهم من السجون إلا عام وبضعة أشهر - رأى أنه لا يصح التورط في أي عمل يجر الشباب إلى معركة غير متكافئة مع نظام متجبر ظالم، بل إن الشيخ قد ذكر - في مؤتمر حاشد عقد بتلك المناسبة - أنه علم أن الشباب ينوون الخروج عقب المؤتمر بمسيرة حاشدة تجوب أرجاء المدينة، وناشدهم أن لا يفعلوا ذلك وأن ينصرفوا في هدوء، حتى لا يتخذ ذلك ذريعة لتدخل أمني غاشم. وحينما حاول مدير الامن شكره على صنيعه رفض مصافحته أو مقابلته لانه متورط فى تعذيب الشباب فى بورسعيد ، ولم يخش الوقوف فى وجه ( قوانين جيهان ) للاحوال الشخصية بل خرج فى مظاهرة حاشدة لتسليم الاجهزة النتفيذيه اعتراض شرعى وقوى على محاولة منع تعدد الزوجات، ويمنع الطلاق إلا على يد القاضي  فتصدى له وأوقفه مع ثلة من العلماء والدعاه العاملين .}

تعرض لكثير من الابتلاءات مثل النزاع الفقهى ( لا ولاية لضرير ) مقابل ( لا ولاية لأسير ) ففشل الدمج بين الكيانين الكبيرين ( الجهاد والجماعة الإسلامية ) ولم ينتهى به المطاف إلا مسجوناً ظلماً فى قضية ملفقة بزعم تخطيطه لتفجيرات 93 وكان بين الأشرطة السمعية التي زعموا أنها أدلة إدانة له : شريط قُدِّم للمحكمة بطريق الخطأ، وهو يحوي مكالمة هاتفية بين ضابط من المباحث الفيدرالية وبين العميل المصري المدعوعماد سالم، وفيه يشرح الضابط لذلك العميل كيف يمكنه الإيقاع بالشيخ وتوريطه في القضية، وأن عليه أن يحاول استدراجه للحصول منه على أقوال يمكن أن تعد جرائم يعاقب عليها القانون وهو ما حدث حينما تكلم بحريته عن ظلم وطغيان ( حسنى مبارك) وأن شره قد استطال فتم ترجمتها إلى التحريض على قتل حاكم مصر وقتها أثناء زيارته لنيويورك - لم يزرها مبارك سنتها - وتم الحكم عليه بالسجن مدى الحياه وفرط الجميع فى قضيته الانسانية العادلة فى أن يقضى بقيه عقوبته فى السجون المصرية ويوارى الثرى فيها إلا محاميته الامريكية التى حكم عليها بالسجن بزعم نقلها رسائل الشيخ لمريديه ! ...


ومما يؤخذ على العالم الجليل موقفه الذى ارتضاه من الحاكمية وهو واضح وجلى بأسانيد فقهية حتى أنه ارتضى الكفر الاكبر المخرج من الملة لمن حكم بغير ما أنزل الله صراحة فى رسالته المنشورة ( كلمة حق ) دون مراجعة أو عذر بالجهل أو اشتراط الجحود والنكران فى مخالفة واضحه لما أرتآه الصحابة والسلف والخلف وكذلك يقينه بأن الإمة الأسلامية غير قائمة لأن من يعلوها معاند لشرع الله .. كما أن تحريمه الصلاة على الرئيس عبد الناصر- رحمه الله - على منبره ساهم فى عزل تلاميذه وتغذية مفاهيم ( الحاكمية ) و ( الجاهلية المعاصرة ) وغيرها حتى تراكمت وأدت إلى استباطهم لحله أموال النصارى و لشرعية اغتيال ( السادات) دون أن يفتى لهم جهرة أو حتى يخبروه اعتماداً على الادبيات التى درسها لهم !
.

يظل موقفه من المبادرة ملتبساً حيث ينقل بعض المقربين منه دعمه لحقن الدماء وتأييد المبادرة بينما ينقل عنه الشيخ رفاعى طه أنه كان يظن أن مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية مجرد هدنة، لذا أيدها فى باديء الأمر عبر كلمته الشهيرة «وقفوا لله»، ثم تراجع عن ذلك فى ٢٠٠٠، وسحب تأييده لوقف العنف وأرسل ذلك لمن بيدهم مقاليد الأمور ولكنهم تكتموا على الأمر

ولم ينتهز الشيخ أو محبوه الايام والسنين لإعاده كتابه أفكاره وتدقيقها ومراجعتها أثناء سجنه الطويل لتوضيح ما أستقر عليه وما بدله ليسقى عصارة تجربته لشباب الامة ولكن هكذا اقتضت المشيئة فمن باب تبليغ العلم و صدقة جارية له حان الوقت أن يخرج تلاميذه ما فى عجبتهم ليستفيد الشباب ولا يعيدوا الكرة من بدايتها حتى تستوى الثمرة .

 وختاماً : جانب من تعليقات القراء على خبر موته
المقال منشور فى ( العاصمة نيوز هنا

الأحد، فبراير 12، 2017

سفينة عبد الله القصيمى .. بين الامواج والعواصف

الاستشهاد بكتابات عبد الله القصيمي عن ماهية الدين ودور التطبيقات الخاطئة للأفهام المعوجه للشريعة وسماحتها كمن يستشهد بكتابات (خيرت فيلدرز ) واليمين العنصرى الاوروبى عن المسلمين بل يجب الاخذ فى الحسبان تقلباته الفكرية منذ بدايته "وهابيا" قحاً حتى ألف رسالته «البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية»، وهو لم يتجاوز الثالثة والعشرين من العمر للدفاع عن الدعوة النجدية. مماأغضب علماء الأزهر الذين اعتبروا الكتاب تجرّؤاً من طالب أجنبي على عضو في «هيئة كبار العلماء» أكبر هيئة في الأزهر. ثم أُبعِد من الجامعة التي كان يحلم بالوصول إليها. وصدر قرار في (مارس) عام 1932 بفصل القصيمي من الأزهر.حتى انتقل إلى مبارزة "العلمانيين"، وأصدر كتاب «نقد كتاب حياة محمد».ثم كتابه ( الصراع بين الإسلام والوثنية ) وهو كتاب في الرد على الشيخ الشيعي محسن الأمين الذي هاجم الدعوة الوهابية ورجالها وحكامها ثم كتب ( مشكلات الأحاديث النبوية وبيانها .)وهو كتاب يرد فيه على علماء المادة والملاحدة ، ويبين أن لا تناقض بين الأحاديث النبيوية والعلم الحديث !

لكن التغيير الحقيقي في فكر "القصيمي" بدأ مع كتاب «هذي هي الأغلال» الذى أعلن فيه إلحاده بشكل صريح وجعل الشريعة الإسلامية هي الأغلال التي أعاقت مجتمعات المسلمين من (النهوض)، فأوربا لم تنهض حتى خلعت ربقة الإيمان بالله واليوم الآخر...وتكلم في الأنبياء…وكذب أشياء قطعية في القرآن… إلى أن وصل الى لبّ المشكلة ـ كما يرى ـ وهي في نسف الغيبيات، والإيمان بالعقل فحسب. تجلى ذلك في كتبه اللاحقة : «العالم ليس عقلاً»، «هذا الكون.. ما ضميره»، «كبرياء التاريخ في مأزق»، «أيها العار إن المجد لك»، «فرعون يكتب سفر الخروج»، ثم في كتب لاحقة هي أشدّ وضوحاً وأقسى عبارة في هجاء التراث الديني وتحميله اوزار الإنسانية وهزائمها وسقوطها وضعفها وأمراضها وكل ويلاتها ـ كما يزعم ـ وذلك في كتبه: «الإنسان يعصي. . لهذا يصنع الحضارة»، «الكون يحاكم الإله»، «يا كل العالم : لماذا أتيت؟»، و«العرب ظاهرة صوتية». كما كان لتنشئته المفككه وظروفه الاسرية التى تربى فيها عامل كبير فى تمرده ورفضه للثوابت

ووصل به الغرور مداه أن قال :

كفى احمداً أني نظرت كتابه ........لأن يدعي أن الإله مخاطبه

ولو شامني أني قرأت كتابه .........لقال إليه الكون أني وخالقه

____________________________________________

خاتمة : من لايدرك بنيوية وأدبيات وثراث الجماعات الاسلامية المختلفة وتمايزها ويساوى - وهو على أريكته - بين (الاخوان وداعش وبوكوحرام وحماس) فلا تأخذوا منه علماً لانه فقد شروط الباحث الحصيف من {الحياد والأمانة والبعد عن الهوى وحظوظ النفس } فى التصنيف والبحث العلمى المعتبر .

 

للإستزادة : 1- «القصيمي بين الأصولية والإنشقاق ـ 1907 ـ 1996» لمؤلفه الألماني يورغن فازلا، ترجمة محمود كبيبو، واسم الكتاب في الأصل الألماني «من أصولي الى ملحد. . قصة انشقاق عبد الله القصيمي»،

2- «خمسون عاماً مع عبدالله القصيمي». عبد الرحمن إبراهيم / دار جداول