السبت، أغسطس 06، 2011

عبدالمنعم أبوالفتوح ..الفارس النبيل



فى ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٩ نشرت هذا المقال عن عبدالمنعم أبوالفتوح، وأجد من المناسب أن أعيد نشره فى هذه الأيام। هنا المقال القديم الجديد॥ (يبتسم الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح حين يتجهم الإخوان، ويتماثل مع الناس حين يتمايزون، وينفتح عليهم حين يوصدون أمامهم الأبواب حذرا وتحسبا أو إعراضا، ويمد يده لدعاة الحرية حين يجرى منها أو يقذفها غيره داخل هذه الجماعة العجوز، التى اعتادت على لملمة أشلائها، والعودة إلى قيد الحياة كلما ظن كثيرون أنها تحتضر، أو تستعد لرحيل أبدى
.

أبوالفتوح لم يكن يخدع أحدا، لكنه تصرف طيلة الوقت على سجيته، وبان عليه ما يقتنع به، وعمل دوما وفق ما رأى أنه الصواب، حتى لو اختلف معه آخرون داخل الجماعة، ولم يصدقه البعض خارجها، وبات مع مرور الأيام هو الوجه الأكثر إشراقا فى الإخوان، واللون الرائق لأى عين تبحث عما هو إيجابى وبناء فيها، ومكمن الاطمئنان لكل من يراهن على أن «الإخوان» يمكن أن يتغيروا إلى الأفضل، وينضجوا سياسيا، ويتعمقوا معرفيا.

أبوالفتوح وأمثاله هم الرقم الصعب، والاستثناء الجميل، وبداية خروج الإخوان من كهف التاريخ وتفكير الفصيل، إلى براح العمل العام، ليصبحوا قوة مضافة إلى الحياة السياسية، وليسوا خصما منها، حين ينحازون بكل كيانهم إلى مدنية الدولة، ويؤمنون بتداول السلطة، ويتصالحون مع مبادئ المواطنة، وما لها من حقوق وما عليها من واجبات. على مدار سنوات طويلة رأيت كيف كان الجميع ينظرون إلى هذا الرجل المفعم بالكبرياء والشهامة والوطنية، ويعولون عليه، فحين يقول البعض «الإخوان جماعة فاشية» يرد عليهم آخرون «لكن فيهم عبدالمنعم أبوالفتوح وأمثاله».

ولمّا يقال إن الإخوان يكرهون الثقافة والفنون ويتربصون بحرية الإبداع، يرد منصفون: لكن «أبوالفتوح» ذهب إلى نجيب محفوظ، ولم يرفض الاتجاه إلى إعادة طباعة روايته المثيرة للجدل «أولاد حارتنا» فى مصر. وحين تتحسر النخبة الثقافية والسياسية على افتقار الساحة المصرية لساسة «إسلاميين» مثل أردوجان وجول وأربكان، الذين أنتجوا لتركيا نموذج حكم إسلاميا عصريا وديمقراطيا، تتخفف تلك الحسرة بتذكر «أبوالفتوح» ويتسع الأمل فى إمكانية انتصار التيار الذى يقف خلفه فى الإخوان، فتنجو مصر من السقوط فى فخ «الدولة الدينية».

لكل هذا اعتقد كثيرون أن عبدالمنعم أبوالفتوح بمنأى عن الاعتقال والتعذيب والتنكيل والتشويه، لكن من يعرف «النظام الحاكم» جيداً، يدرك أن تلك الاعتقادات لم تكن سوى أضغاث أحلام. فمثل هذا الرجل هو الأخطر على سلطة شاخت فى مواقعها، لأنه يمد الجسر الذى قطعته السلطة بين الإخوان ومنتجى الثقافة، ويلطف من غلواء الخطاب الدينى المتشدد، الذى يخرج من أفواه المنتمين إلى الكتلة السلفية الغاطسة فى جسم هذه الجماعة، ويضرب مثلا ناصعا لشبابها على أن التجاور والتحاور مع الآخرين والمتنافسين أمر وارد وطبيعى ومحمود، ويمكن له إن تمكن وسادت رؤيته أن ينتشل الإخوان من جماعة شمولية منغلقة إلى حزب سياسى حقيقى، لديه رؤية متماسكة تسهم فى نهضة مصر، ومن فصيل خائف مستسلم إلى «ثقافة المحنة» إلى طرف فاعل جرىء، ومن جزء عصىّ فى مشكلة مصر إلى جزء سخىّ من الحلول المطروحة.

من أجل هذا لا بد لمثل هذا الرجل أن يتوارى من المشهد، لتبقى الصورة الذهنية السلبية عن الإخوان قائمة، تحيط بها قطع الليل المظلم، وتلطخها دماء سالت قبل عشرات السنين بيد «التنظيم الخاص» للجماعة، وتُصب عليها اللعنات من كل المرعوبين من حكم رجال الدين، والخائفين على الإسلام من أن يتحول إلى أيديولوجيا سياسية تجور على دعوته إلى الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى وتنظيم المجتمع على سنن العدل والاستقامة. لا يمثل حبس أبوالفتوح حدثا عارضا، ولا هو مجرد حلقة فى سلسلة التضييق الأمنى الصارم على «الإخوان المسلمين»، إنما يتعدى ذلك إلى إيصال رسالة واضحة للإخوان وغيرهم بأن النظام لن يتسامح مع أى طرف يهدد وجوده، أو يدفع مزيداً من السوس لينهش فى عظامه النخرة. فلا مساس بالقاعدة الراسخة التى تقول «الاستقرار والاستمرار» حتى لو كان الاستقرار ركوداً وجموداً، والاستمرار سيراً بطيئاً على دروب المجهول. فى كل الأحوال فإن وضع كل الإخوان خلف القضبان لن ينهى معضلتهم، بل سيخدمهم على المدى الطويل، ويلقى بتبعات ثقيلة على المستقبل السياسى لمصر برمتها، فالإخوان فى الزنازين وتحت السياط وداخل دائرة الحصار أو خارج الوظائف الحكومية والعامة، هم فى نظر جموع غفيرة موزعون على ثلاث صور إيجابية يظهرون فيها كضحايا أو أبطال أو استشهاديين، فيقتربون من الناس زلفى، فى وقت يبتعد فيه النظام عنهم بفعل سياساته التى تنحاز إلى رجال الأموال والأملاك وأصحاب الاحتكارات وأهل الثقة وحملة المباخر.

إن اختلافنا مع الإخوان فى الكثير من الرؤى والمسالك لا يعنى أبدا الموافقة أو مباركة تعرضهم المستمر للاعتقال، وتحويلهم إلى محاكم عسكرية، وممارسة تمييز ضدهم داخل مؤسسات العمل، وحصارهم وخناقهم الذى ينقص من حقوقهم كمواطنين مصريين، وتقليص الخيارات أمامهم بما قد يدفعهم دفعا للعودة إلى ممارسة العنف بعد أن طلقوه وهجروه. وعندها سنندم كثيرا على إنهاك رجل مثل عبدالمنعم أبوالفتوح، بوسعه أن يلعب دورا مهما فى ترشيد التفكير السياسى للإخوان. كما سنندم على هذا الرجل، ليس لشخصه النبيل فقط، بل للمسلك الذى يمثله داخل الإخوان، حين تبقى هذه الجماعة وغيرها من التنظيمات والجماعات، التى تتخذ من الإسلام أيديولوجية لها، عقبة عصية على التجاوز أمام مدنية الدولة، التى صارت مطلباً عزيزاً، وحلما يراود كل من يروم لمصر خروجا آمنا من بين أنياب الاستبداد والفساد)।

د - عمار على حسن (الباحث فى علم الاجتماع السياسى والخبير فى شئون الاسلام السياسى )

الاثنين، يوليو 25، 2011

الدعوة هل تنفى طيبها أم خبثها؟!

كتب يوم الاثنين، يوليو 25، 2011


الدعوة هل تنفى طيبها أم خبثها ؟!



" د ।محمد حبيب يطوي صفحة علاقته بالإخوان ويعلن استقالته وانضمامه لحزب النهضة " تحت هذا العنوان خرجت علينا الصحف المصرية خلال الأيام الماضية لتعلن خروج الدكتور محمد حبيب " النائب الأول السابق للمرشد العام للإخوان المسلمين من التنظيم ليبدأ مرحلة جديدة من العمل في أحضان حزب " تحت التأسيس " يضم بعض القيادات المستقيلة من التنظيم على رأسهم الدكتور إبراهيم الزعفراني " عضو مجلس الشورى السابق بالجماعة "

استقبل البعض الخبر بنوع من الاندهاش لخروج مثل هذه الشخصية التي عملت للدعوة لأكثر من 40 عاماً حتى وصل إلى موقع الرجل الثاني في التنظيم ، وذهب البعض إلى الدعاء لنفسه بالثبات على الطريق وأن يجنبه الله هذا المصير .
هذا المشهد يطرح علينا بشدة جدلية خروج البعض من التنظيم، وهل يمثل هذا إنقساماً يضعف من البنية التنظيمية والدعوية، أم يمثل تنوعاً ومداً جديداً للحركة وللدعوة؟.
دوافع الخروج ..

للإجابة على التساؤل السابق لابد من استعراض تاريخ الحركة الذي نجد فيه تنوعاً واختلافاً في أسباب الخروج من التنظيم، فأغلبها بني على مواقف فكرية أو نتيجة محنة أو بحثاً عن وسيلة أخرى.


الصنف الاول :اختلف مع الإخوان في التوجه واتفقوا معهم في الغاية، وهي إقامة دولة إسلامية، والعودة بالمجتمع إلى الإسلام، ولكنهم اختلفوا في الوسيلة والأداة التي يتغير بها المجتمع، مثل جماعة " شباب محمد "

الصنف الثانى: من اقتنع بالتحالف مع السلطة كوسيلة للدَّعوة، وعدم الصدام بها، واغتنام الفرصة التي تمنحه إياها من حيث إطلاق يده في وزارة معينة، ومن أبرز هؤلاء: الشيخ أحمد حسن الباقوري، والدكتور عبد العزيز كامل، فكلاهما تولى وزارة الأوقاف في عهد جمال عبد الناصر ، وبالفعل كانت للباقوري إنجازات قوية في وزارة الأوقاف، وكان له دور مع شباب الإخوان الذين عارض الأمن تعيينهم، كان من بينهم يوسف القرضاوي، وأحمد العسال

أمَّا
الصنف الثالث هم من ترك الإخوان تجنباً للصدام، ففكر في أن ينأى بنفسه بعيداً عن هذا الخلاف مع السلطة وبحث عن ميدان للعمل، يخدم فيه الإسلام، بعيداً عن العمل التنظيمي في الإخوان، ومن هؤلاء البهي الخولي وأحمد رائف
أمَّا الصنف الرَّابع للخروج هو الضعف وعدم تحمّل آلام السجن بسبب ما لاقاه من التعذيب في السجن، أو من رأى أن وجوده في السجن ليس لصالح الدعوة كان من بين هؤلاء الشيخ صلاح أبو إسماعيل.
أمَّا الصنف الخامس وهو الذي كثر في أيامنا هذه في العديد من البلدان العربية والإسلامية وهو الخلاف في أسلوب إدارة الجماعة، وكان من بين هذا النوع في الماضي محمَّد الغزالي، وسيد سابق، وكان في التسعينات المهندس أبو العلا ماضي وعصام سلطان وعبد الستار المليجى ، وفي أيامنا هذه الدكتور محمَّد حبيب والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والدكتور إبراهيم الزعفراني ومختار نوح وهيثم أبو خليل وبعض الشباب الواعد اذكر منهم : اسامة دره - عبد المنعم محمود - اسلام لطفى - احمد سيد - نسرين القاضى وغيرهم ..
والنوع السَّادس والأخير هو ذلك النوع الذي ترك الإخوان تنظيمياً وليس فكرياً، فقد رأى أنَّه قد وصل إلى مرحلة أصبح فيها رمزاً للدعوة وأكبر من أن يختزل ويحجم في تنظيم من بين هؤلاء الشيخ يوسف القرضاوي وعمرو خالد وفتحى يكن
وفي أيامنا يخرج بعض الشباب من التنظيم إما لضعف مكوناتهم الفكرية وحماسهم ، أو لنرجسية وحب ظهور مبني على إندفاع غير محسوب، وربما لسبب أخر وهو الأغلب في ظني يعود إلى صعوبة استيعابهم وتوظيف طاقتهم بما يخدم مصالح الدَّعوة، وبما يساهم في تكوين وإثقال شخصية شباب الدعوة الذين سيصبحون قادة الحركة في المستقبل، فنظراً لعدم القدرة على استيعاب أفكار الشباب التي تتجدد وتنطلق في أيامنا بسرعة الصاروخ بسبب الثورة الإعلامية الكبرى، وتنوع الرؤى والمناهج في التعامل مع كثير من الأمور والوقائع، واختلاف الأحوال والظروف بين الماضي والحاضر، نسمع من حين لأخر خلافات بين شباب الحركة وبين القيادة، ولعلَّ ذلك يرجع في تقديري إلى ضعف الاستيعاب وسوء التوظيف، وفي الوقت نفسه، تسرّع البعض، وعدم دراسة الواقع بشكل صحيح، مع اختلاف النسبة .

البنا والتعامل مع الشباب

نجح الإمام البنا في حسن إدراة التعامل مع الشباب، فقد اعتمد في كثير من أمور الجماعة عليهم ، فذات مرَّة أرسل الإمام الشاب سعيد رمضان الطالب بكلية الحقوق ليحضر لقاء يمثل فيه جماعة الإخوان المسلمين، بحضور السنهوري باشا القانوني الكبير المعروف، وفوضه البنا ليكون متحدثا ومتصرفا باسم الإخوان، وفق ما اتفقوا عليه من أسس عامة، وما يطرأ عليه من أمور يحكم فيه فهمه للدَّعوة.
كما أرسل البنا الشيخ عبد المعز عبد الستار الشاب الذي لم يصل سنه الثلاثين عاما آنذاك، ليحضر مؤتمراً يخصّ القدس وقضية فلسطين، وجاءه بتقرير واف عن الأوضاع، فقال له: يا أستاذ بنا إسرائيل قائمة بكل أركانها، ولا ينقصها شيء سوى الإعلان، وكان ذلك سنة 1947م.
وقد قام الأزهري الشاب عبد المعز عبد الستار بموقف هيج بعض الساسة في دمشق، فقد تكلم كلاما ينصف الشيخ أمين الحسيني مفتي القدس، وقد كان مبعدا آنذاك عن فلسطين، ومع ذلك لم يلمه حسن البنا، بل خوله تماما ليتصرف .

الخروج من صف الدعوة ليس أمراً محموداً فهو يضيع فرضية العمل الجماعي ويفتت جهود الدعاة، إلاَّ أنَّ الأمر لا يصل إلى حدِّ التعامل مع الخارجين على أنه خروج من الملة وذات مرَّة ، خرج مجموعة من شباب الإخوان ثائرين على حسن البنا، وقاموا بتأسيس جماعة أخرى سموها: (شباب محمد)، فلم يكن من حسن البنا إلا أن ذهب إليهم مهنئا، واستأجروا مقرا لهم، احتاجوا فيه إلى أن يجمعوا تبرعات له، فكان الإيصال رقم (1) باسم حسن البنا!

التلمسانى الرجل الذى اجتمعت عليه القلوب
: كان الامام التلمسانى يصغى للشباب ((الثائر)) المتقد حماسة بل وتهوراً حينها مثل عبد المنعم أبو الفتوح وابراهيم الزعفرانى وعصام العريان وغيرهم ونحن نعلم ان فترة الشباب هى فترة الحماس والقوة وكثيراً ما كان يقول عندك حق يا عصام فى هذا ،وهو فى مثل عمر ابنه الصغير وله الكثير من المواقف التى ساهمت فى أن يكون هؤلاء الشباب اعمدة شامخة فى بناء الدعوة (لا يتسع المقال لذكرها) نتيجة حسن استيعابها وتوظيفهم بالطرق الملائمة لهم فكرياً واعطائهم الفرص للأبداع غير التقليدى دون كلل ...

الجماعة تنفى خبثها !!لعلَّ أبرز القضايا التي تعكس خللاً فكرياً هي التعامل مع الخارجين من التنظيم على أنه خروج من الإسلام فتسمع حين يخرج أحد العاملين بحقل الدعوة من التنظيم من يقول لك "نسأل الله الثبات- هداه الله - اشترى الدنيا بالاخرة - انما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، إلخ " ومع الإقرار الكامل بأنَّ الخروج من صف الدعوة ليس أمراً محموداً فهو يضيع فرضية العمل الجماعي ويفتت جهود الدعاة، إلاَّ أنَّ الأمر لا يصل إلى حدِّ التعامل مع الخارجين على أنه خروج من الملة، بل تجد البعض يصدر أحكاماً متطرفة فيقول على من ترك التنظيم " إنَّ الجماعة تلفظ خبثها " فليس بالضرورة من ترك التنظيم وارتضى قطاراً أخر يدعو فيه إلى الله انه مخطئ، وليست غاية الدعاة الانضمام إلى تنظيم بل الأخير مجرد وسيلة للدعوة إلى الله تعالى ومعظم من اختلف مع الإخوان كان خلافاً في الإدارة ولم يكن خلافا فكريا أو عقائدياً، ولا يصح أن نساوي بين من خرج من الدَّعوة ليقدم الفائدة لها، وبين من خرج ليحقق مصالح ومآرب شخصية، بحيث انقلب على ما يحمله من فكر ورؤية ومنهج وفى النهاية الله وحده المطلع على القلوب وهو وحده المنوط بالتفتيش فيها

المنشقون!
مما أثار فضولى تكرار كلمة "المنشق" فبحثت عن الكلمة فلم أجد سوى أنها تستخدم فى الأصل عسكرياً لمن خان جيشه وباع وطنه وانضوى تحت لواء أعداء امته فاعتقد أن استخدامها لوصف المختلفين معنا فى الفكرة أو الدعوة أو الادارة غير ملاءم وغير صحيح لانه ببساطة يوحى "بعسكرة الدعوة".وأرى ان كلمة القيادى السابق أو المستقيل او المُقال توفى بالغرض
للإستزادة :
ابن القرية والكتاب (مذكرات القرضاوي) الجزء الثاني ص 248.
الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ لمحمود عبد الحليم (3/150-155).
الإخوان والشباب .. الدعوة تنفي طيبها , عصام تليمة ، صحيفة المصريون الألكترونية , 25 يونيه 2009
الخارجون عن الإخوان..متى وكيف ولماذا، عصام تليمة
الخروج من التنظيم آفاق جديدة للدعوة .. محمد حسين

الأحد، يوليو 24، 2011

حتى لا نقول أكلت يوم أكلت (6 أبريل)

بقلم : Mohamed A. Mahmoud

(شفت بأه إنهم ناس فوضويين وهمجيين والغرب بيمولهم عشان مايبقاش فيه إستقرار !!! أديهم انكشفوا وبانوا على حقيقتهم !!! مبسوط كده ؟؟؟)

بادرني بسؤاله الاستنكاري وهو يمدني (بلينك) فيديو قناة المحور الذي يعترف فيه محامياً بتلقي أبناء الحركة دعماً من الخارج

تابعت الفيديو ، وتداعت لذهني حقيقة هذه الحركة التي أتابعها منذ أن انطلقت

حقيقة الحركة الشبابية الأولى التي انطلقت ثورية ، في الوقت الذي كانت فيه التكتلات المعارضة للنظام إما حزبية أو أيدلوجية أو دينية وجميعهم ماكانوا ليصنعوا بإختلافهم ثورة حقيقية ، بينما بدأ "شباب 6 إبريل" ثوار ... والكلمة ثورة

حقيقة أنها الحركة التي قدمت أكبر عمل عام في عهد مبارك في 6 إبريل 2008 بإضراب عام بدأ من عمال المحلة الكبرى ليشمل مصر كلها ثم استمرت في تبني قضايا الشارع المصري انتهاءاً بقضية خالد سعيد ، في الوقت الذي كانت الأعمال العامة في مصر إما أيدلوجية أو دينية أو لدعم قضية سياسية -غالباً ماتكون خارجية- ، هؤلاء "6 إبريل" مصريون ... والكلمة مصر

حقيقة أنها الأولى التي بدأت واستمرت أردوغانية محافظة على التنوع الأيدلوجي داخلها رافضة لأيدلوجيا معينة أن تحكمها ، هؤلاء "6 إبريل" أردوغانيون ... والكلمة تنوع

حقيقة أنها قدمت نموذجاً مصغراً للثورة حينما قدمت ضرورة التوحد والإئتلاف ونبذ الخلاف على التحزب والتأدلج ، في الوقت الذي كانت جميع الحروب مع النظام تقتصر على انتخابات برلمانية ونقابية واتحادات طلابية تتقاتل عليها المعارضة حتى دون أدنى نسبة من التعاون بينهم حتى يقضي النظام عليها .. هؤلاء "6 إبريل" وحدويون ... والكلمة وحدة

حقيقة أنهم في الوقت الذي استمر السلف حتى 24 يناير في تذكيرنا بتحريم المظاهرات وتحريم الخروج على الحاكم ، واكتفى الإخوان بمطالب إصلاحية عشرة تم إعلانها يومها ، ودعت الأحزاب إلى الإكتفاء بإلغاء انتخابات مجلسي الشعب والشورى للحصول على مقعد ولو بالتعيين، في ذلك الوقت، كانوا كما بدأوا منذ إبريل 2008 لا يقدمون أنفسهم إلا كمجموعة من الشباب يأملون في

إمكانية حدوث عمل جماعي تساهم فيه كل الفئات والطبقات، هؤلاء هم "6 إبريل" جماعيون ... والكلمة عمل جماعي

حقيقة أنها الحركة التي ولدت "نظيفة" لم يأت أعضائها من خلفيات حزبية وأيدلوجية، بل لم يمارس أغلبهم العمل السياسي أو العمل العام قبل إبريل 2008، فكانت النتيجة "وضوح" لا تجده في حركات وقوى تعودت البحث عن مصلحة الوطن من خلال مصلحتها الأيدلوجية والتنظيمية، هؤلاء "6 إبريل" واضحون ... والكلمة شفافية

حقيقة الحركة التي وضعت في موقعها الرسمي منذ نشأته في 2008 أن ما يريدوه هو السعي لأن تمر مصر بمرحلة انتقالية يكون فيها الحكم توافقي من أجل إرساء مبادئ الحكم الديمقراطي، هذه هي مطالب "6 إبريل" منذ 2008 ... والكلمة توافق

حقيقة استمرارها على مبدأها في أن يظل قوامها الرئيسي من الشباب المستقل عن أي حزب وأي تيار مع السعي للتعاون المتبادل في إطار الحملات والعمل الجبهوي مع شباب الأحزاب والتيارات السياسية الأخرى، هؤلاء "6 إبريل" مش رجال أعمال ... والكلمة شباب

حقيقة إعلانهم منذ نشأتهم رفضهم لأي تعامل مع الحكومات الأجنبية، ورفضهم المعونة الأمريكية وهو ماعبروا عنه في مظاهرة التحرير بالأمس عندما شاركوا معتصمي التحرير في رفع أحذيتهم وهم يهتفون ضدها "مش عاوزينها .. مش عاوزينها" ، هؤلاء هم "6 إبريل" وطنيون ... والكلمة وطن

حقيقة ترحيبهم بتبادل الخبرات بينهم وبين الحركات المشابهة إنطلاقاً من فكرة أن مايحدث في مصر يؤثر في العالم ومايحدث في العالم يؤثر في مصر، محاولين أن يطوروا من أنفسهم فكونهم شباب أفقدهم تمويل رجال الأعمال وممولي الجماعات وأغنياء الأحزاب، واستطاعوا بتلك الدورات في "صربيا" أو غيرها أن يطوروا أنفسهم ليكونوا الشرارة "السلمية" الأولى لانطلاق أقوى أعمالهم العامة التي تحولت بفضل تكاتف الجميع معهم إلى ثورة ... فكانوا ثوار ... والكلمة ثورة

هؤلاء هم "6 إبريل" كلمة .. ثم كلمة .. ثم كلمة .. فتكونت دائرة من الكلمات .. دائرة ذهبية .. بدأت بالثورة وانتهت بالثورة، وبينهما "مصر .. تنوع .. وحدة .. عمل جماعي .. شفافية .. توافق .. شباب .. وطن"

"هاااااااااااااه .. ما بتردش ليه !!! مبسوط كده ؟؟؟ "

تنبهت فجأه وسرحت للحظات .. قبل أن أُرسل له هابي فيس

" طبعاً عاجبني .. أنا متضامن مع شباب 6 إبريل"


*******
دعونا نتفق على امور هامة :

*- لا احد يحتكر الوطنية وحب الوطن والتضحية من اجله فكل منا يحب وطنه بطريقته التى يرى انها المناسبة لخدمة وطنه فكلنا نتتافس لخدمة مصر ।
** نختلف مع أبريل فى كثير من مواقفها وتصعيدها ولهجتها الحادة والاعتصام المستمر الذى أرى انه لا مبرر له ولكن لا أرضى ان يتم توزيع الاتهامات المعلبة والجاهزة بالتخوين والعماله والتحريض وغيرها ...من يملك دليل مادى فليذهب للنائب العام فوراً وإلا فليعتذر للشرفاء।

*** لسنا خصوماً ولا أعداءاً بل اصدقاء (اسلامييين - ليبراليين - قومينن - يساريين) اتحدنا لخلع حاكم ظالم مستبد فلا يجب ان نتصارع لتوزيع كعكة الثورة التى لم يتم تجهيزها بعد ...

**** سحقاً لنظرية المؤامرة التى صارت تحكمنا فى كل شىء ॥

***** المجلس العسكرى له سلبياته وايجابياته فطالما ارتضى ان يحكمنا لفترة انتقالية فلابد من وجود اخطاء يجب ان يتسع صدره لنقدها لانها حق أصيل للشعب المصرى ॥

أختم بمقولة هامة للقس الشريف
مارتن نيومولر :

:{ في ألمانيا عندما اعتقلوا الشيوعيين لم أبال لأنني لست شيوعياً، وعندما اضطهدوا اليهود لم أبال لأنني لست يهودياً، ثم عندما أضطهدوا النقابات العمالية لم أبال لأني لم أكن منهمبعدها عندما أضطهدوا الكاثوليك لم أبالي لأني بروتستنتي..و عندما أضطهدوني..لم يبق أحد حينها ليدافع عني}

(حتى لا نقول أكلت يوم أكل الثور الابيض ) ...كلنا 6 أبريل

الجمعة، يوليو 22، 2011

منهجية المدخلية المصرية

بسم الله الرحمن الرحيم :
كثر الحديث فى الاونه الأخيرة عن الجامية واشتهرت بالمدخلية وتفرعت الى قوصية ورسلانية وعامرية وغيرها ॥ولما ازداد حديث اصدقائى عنها نتيجة ظهورهم على الساحة فى العقدين الاخيرين وجدت هذا البحث الهام والذى اورده كاملاً لصعوبة تلخيصة لاهميته :

السلفيون المداخلة في مصر ( دراسة )... صلاح الدين حسين



بداية النشأة :

كان الظهور العلني لهذا التيار في المملكة العربية السعودية إبان حرب الخليج الثانية 1991 والتي كانت نتيجة لغزو العراق تحت حكم صدام حسين للكويت وبدأ هذا التيار في الظهور كتيار مضاد للتيارات المعارضة لدخول القوات الاجنبية كالاخوان والسرورية كما أنها ذهبت أبعد مما ذهبت اليه مؤسسات الدولة الرسمية مثل هيئة كبار العلماء والتي أفتت بجواز دخول القوات الاجنبية على أساس أن فيها مصلحة الا أنهم لم يجرموا من حرم دخولها أو أنكر ذل ك فجاء الجامية واعتزلوا كلا الطرفين وأنشأوا فكرا خليطا يقوم على القوم بمشروعية دخول القوات الاجنبية وفي المقابل يقف موقف معادي لمن يحرم دخولها أو ينكر على الدولة ذلك وذلك على أساس مرجعية سلفية تتمترس في أدلة من القرآن والسنة .
سبب التسمية :
ويعرف هذا التيار في المملكة العربية السعودية "بالجامية "نسبة لمحمد أمان الجامي الاثيوبي الاصل وهو المؤسس الحقيقي لهذا التيار أو يلقبون بـ "المدخلية " نسبة الى ربيع بن هادي المدخلي وهو أحد رموز هذا التيار في المملكة العربية السعودية كما يسمى بتسميات أخرى إلا أن هذه التسمية جميعها غير معتر ف بها من التيار الجامي أو المدخلي الذي ينسب نفسه الى السلفية الخالصة والذي يقوم أساس منهجه على رفض الطائفية والفرقه والتحزب فكان من الأولى رفضه اطلاق مسمى على نفسه لاسيما اذا كان يرجع الى شخص مهما كانت مكانته (1).. وتحولت هذه المسميات من ألقاب تعطي توصيفات لتيار بعينه تمييزا له عن باقي التيارات إلى لقب يعده الآخرون تهمة أوسبة تجرح من يتصف به إلا أن رموز هذا التيار وعت ذلك وقامت بالرد عليه وقبلت ضمنا بهذا المسمى وحاولت أن تبيض وجهه بدلا من تجاهل التعامل معه ونكرانه.



وأبرز رموزها هم :محمود لطفي عامر – أسامة القوصي – محمد سعيد رسلان – طلعت زهران – أبو بكر ماهر بن عطية – جمال عبدالرحمن – على حشيش – عبدالعظيم بدوي

التعريف والتمايز

لم يختلف المداخلة عن غيرهم من التيارات السلفية غير الجهادية الأخرى في اعتقادهم بعدم الخروج على الحاكم المسلم وإن كان فاسقا ولا يختلفون عن غيرهم أيضا من أنهم اعتبروا أن الخروج على الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه كان سبب الفتنة التي وقعت بين صحابة رسول الله وأن الخروج على ولاة الأمور هي السبب الفرقة والضعف والخوار الذي أصاب الدولة الاسلامية ..
الا أن المداخلة خلافا لكثير من التيارات السلفية تعت بر أنه لايجوز معارضة الحكم مطلقاولا حتى إبداء النصيحة له في العلن وتعتبر ذلك أصلا من أصول عقيدة أهل السنة والجماعة ومخا لفة هذا الأصل يعتبر خروجا على الحاكم المسلم(2) والخروج مصطلح يطلق على إحدى الفرق الضالة التي تخرج عن نطاق أهل السنة والجماعة وهو مصطلح تاريخي أيضا يطلق على الطائفة أو الفرقة التي خرجت على الأمام علي رضي الله عنه وكفرته متهمتة إياه بأنه لم يحكم شرع الله كما كفرت تلك الفرقة كل من لم يؤمن بما تعتقد به وشنت حروبا بينها وبين نظم الحكم على مر التاريخ الاسلامي .
كما أن المدخلية تعتبر أن الاعتراف بالحاكم و الولاء له وحده لايكفي اذا لم يتم الاعتراف بمؤسسات الدولة الأخرى منصب المفتي مثلا أو بمؤسسة الأزهر كما أنه ليس لأحد أن يخرج عن فتوى علماء البلاد الرسميين فإذا حلل هؤلاء العلماء فوائد البنوك فإنه على الرعية المسلمة في هذه البلد الاذعان لتلك الفتوى وعدم مخالفتها ومن يخالف ذلك فإنه على طريق " الخوارج " (3)
كما تتمايز المدخلية عن غيرها من التيارات السلفية في أنها تعتبر أن الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان ومن ثم فهي تشن هجوما حادا على أية عمل جماعي وتناهض الجماعات الاسلامية والحزبية لأنها ضد مفهوم الجماعة في رأيهم ومن ثم فهم "خوارج "على النظام ومبتدعة في الدين وهجومهم عليهم تهدف الى انهاء الفرقة في الأمة والتفافها حول سلطانها . (4)

المدخلية كما تعرف نفسها

يعرف هذا التيار نفسه بأنه :
1- من يدعو إلى السمع والطاعة لولاة الأمور في المعروف، ويدعو لهم بالصلاح والعافية والتوفيق وحسن البطانة سواء في مجالسه الخاصة أو في خطب جمعة أو في محاضرة أو في مقالة.
2- من يحذر من الخروج على ولاة الأمور، وينهى عن شق عصا الطاعة.
3- من يحذر من الفكر التكفيري ورموزه.
4- من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم التي تحذر من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين، وجماعة التبليغ وأمثالهم.
5- من ينشر فتاوى العلماء التي تحذر من الطرق المخترعة المبتدعة في الدعوة إلى الله كالأناشيد المسماة بالإسلامية، والتمثيل، والقصص وأمثالها.
6- من ينشر فتاوى العلماء ومؤلفاتهم في الردود التي تكشف عن أخطاء الجماعات أو أخطاء الدعاة التي تمس العقيدة أو تمس منهج الدعوة إلى الله تعالى.
7- من يحذر الشباب من الانخراط في الفتن التي لبست بلباس الجهاد وهي لم تستوف شروط الجهاد الشرعي.
8- من يحذر من استغلال الأنشطة الخيرية المشروعة لتحزيب الشباب وضمهم إلى التيارات التكفيرية التدميرية.
9- من لم يرتض أن ينضم تحت لواء أي فرقة من الفرق وإنما اكتفى باسم الإسلام والسنة والانتماء إلى السلف الصالح لا يتعصب لفرقة، ولا يتعصب لرأي، ولا يسير على منهاج دعوي مخترع.
10- من يحرص على التوحيد دعوة وبياناً، ويحرص على بيان الشرك تنبيهاً وتحذيراً، ويعتني بنشر العلم الشرعي وبيان البدع حسب استطاعه.
11- من يوقر العلماء العاملين الذين بذلوا أنفسهم لنشر العلم الشرعي، وبذلوا أنفسهم لرد البدع والتحذير من أهلها، يحبهم في الله ولا يطعن فيهم ولا يسميهم علماء حيض ونفاس ولا علماء سلاطين ولا يلمزهم بشيء من صفات النقص، مع اعتقاده أنهم بشر يخطئون ويصيبون، لكن يكفيهم فضلاً ونبلاً أنهم في غاية الحرص على موافقة الكتاب والسنة ومنهاج السلف الصالح.(5)

المدخلية كما يعرفها خصومها

أما خصوم المدخلية فيعرفونها بأنهم :
1-من يعتبرون أن الحكم بما أنزل الله أمرا فرعيا وليس أصلا من أصول العقيدة ..وبذلك فان من يحكم بغير ما أنزل الله ويشرع القوانين الوضعية المخالفة للنصوص الالهية لا يكون قد اتركب ناقضا من نواقض الاسلام بأي حال من الأحول
2-يعتبرون الحكام المتسلطين على أمة الاسلام اليوم أولياء أمر شرعيين تجب طاعتهم بل ان أحدهم قد قال عن حسني مبارك صراحة "أميرالمؤمنين" وهو يكثر من الاستدلال بأقوال مبارك وكلامه وارائه ويثني على فهمه للسياسة وأمورها
3-يرون أن أي اعتراض بأي وسيلة على أفعال الحكام هو من فعل الخوارج المارقين
4-يرون أن كل من وقع في بدعة "أومايظنونه بدعة" سواء كان قاصدا أو متئولا أو مخطئا أو ناسيا فهو مبتدع لا يقبلون منه صرفا ولاعدلا ولا يأخذون عنه كلمة حق قالها ويرون واجبهم تحذير الناس منه ونبذه بالكلية
5-كما يرون أن من ارتكب فعلا من أفعال الكفر هو كافر دون اقامة حجة أو انتفاء موانع التكفير وتحقق شروطه
6-يسبون علماء الأمة ودعاتها من كل التيارات والتوجهات المخالفة لهم ويصفونهم باتلمبتدعين والزنادقة والخوارج وغيرها من الألفاظ... وهم متفاوتون في هذه المسألة فمنهم من يجاهر بذكر أسماء من يتهمهم ومنهم من لايجرؤ على ذلك حتى لا ينصرف عنه الطلبة والأتباع...ومنهم من عرف عنه من قبل التصريح باسماء العلماء ثم أصبح يلمح لهم الان
7-يعتبرون العمل الجماعي في الاسلام من الفتن التي تجب محاربتها ...وبذلك فانهم يعتبرون أي جماعة تعمل في الدعوة الى الله هي جماعة مبتدعة بدءا من جماعة الاخوان المسلمين مرورا بجماعة التبليغ والدعوة وصولا الى كافة الجماعات المجاهدة والدعوية في العالم
8- يرون أن تسلط اليهود والنصارى على المسلمين هو أمر قدري لا حيلة لنا فيه وأنه مع تفوق المشركين على المسلمين في كل الجوانب المادية فان جهادهم يعد مهلكة فلا يجوز جهادهم بحال من الأحوال إلا إن أذن " ولي أمرهم " بذلك
9-يعتبرون أنهم وحدهم الممثلون الحقيقيون للمنهج السلفي وأن كل من عداهم مبتدعون
10-يقومون باصطياد الأخطاء ولي عنق الكلام لكل من خالفهم ..كما أنهم يستدلون على أقوالهم باستدلالات باطلة فاسدة ويحاولون اقتناص مايوافق اّراءهم من كلام الأئمة الكبار المشهود لهم من السلف والخلف واجتزاء كلام العلماء لتبرير منهجهم الفاسد ويستدلون لكلامهم بنقول مغلوطة عن شيوخ كبار كابن باز وابن عثيمين والألباني وغيرهم
11- يحملون عقيدة المرجئة باعتبار أن الايمان هو التصديق بالقلب فقط ولا يلزمه عمل وبذلك فإن من ارتكب عملا يناقض الايمان في عقيدة أهل السنة فانه لا يكفر إلا اذا كان يعتقد الكفر بقلبه !!
12- يسيئون للمنهج السلفي بأفعالهم وكلامهم حتى نفر كثير من الناس من المنهج السلفي لما حسبوا أن هذا هو المنهج السلفي
13 -يلغون الأخذ عن كثير من علماء المسلمين سلفا وخلفا بسبب بعض أخطاء هؤلاء العلماء ...كالنووي وابن حزم وابن حجر العسقلاني وغيرهم –
14- يتنابزون حتى بين بعضهم البعض ممن يحملون نفس المنهج فيبين كل منهم بدع وأخطاء بعضهم البعض ..وهذا حصل مع أسامة القوصي وفالح الحربي وغيرهم(6)

المدخلية والاخوان

بما أن الجذور والمنابع المنهجية للمداخلة -سعوديون ومصريون -واحدة فإن الاخوان كانوا على أجندة هجمات المداخلة المصريون بل زادت هذه الهجمات قوة وشراسة في الساحة المصرية على مايبدوا بسبب قوة الاخوان في مصر وانتشارها العددي والفكري في مقابل الزحف السلفي الآخذ في التمددأيضا .بما استدعى تكثيف الهجوم على الاخوان بما يناسب قوة وتوغل الجماعة في المجتمع المصري .
فالسلفية المدخلية ظهرت على السطح كتيار يحارب العمل الجماعي المنظم عموما والمعارض للدولة على وجه الخصوص والذي "ينازع الأمر أهله" بشكل أدق والاخوان تتوافر فيهم كل هذه الصفات وبالتالي ينزل عليهم حكم المداخلة بأنهم " خوارج " و"مبتدعة في الدين " واحدى الفرق الضالة " (7)
فأسامة القوصي أحد رموز المدخلية في مصر في محاضرة له وصف جماعة الإخوان المسلمين بأنها " أخطر جماعة في مصر " وبأنها " فكرة شيطانية " ومن تحت عبائتها خرجت جماعة التكفير والهجرة وحزب التحرير والجماعة الاسلامية ودعا الرجل في أكثر من موضع الى حظرها عمليا إضافة الى حظرها قانونيا لمنع أسباب الارهاب الفكري إلا أن الرجل التمس للنظام العذر في عدم اسئتصالها نهائيا لأن الاخوان مخترقون – حسب تعبيره – لكل مؤسسات الدولة ولذا فليس من السهل أن يقتلع الإخوان من البلد " لأنهم أخطبوط وسرطان " لكنه دعا الجميع للتعاون في استئصالها .
وفي المحاضرة ذاتها أصل القوصي لهجومه على جماعة الاخوان قائلا : أن الدعوة السلفية النقية هي جماعة أفهام لا جماعة أبدان وهي جماعة ربانية أسسها محمد (ص) وليست جماعة بشرية كجماعة الاخوان المسلمين التي وضعها بشر لاعصمة له حتى لو غررت بالشعارات الاسلامية وذكر بمقولة النبي (ص) "دعوها فإنها منتنة " – يعني العصبية القبلية والحزبية – كما استشهد الشيخ بأن المهاجرين والانصار أسمائهم منزلة من عند الله لكنهم كادوا أن يتحزبوا على أساسها لولا أن النبي حذرهم والجماعة المسلمة جماعة واحدة لا جماعات .
ويخلص القوصي في محاضرته الى أن الجماعة المسلمة هي الدولة وهي السلطان ومن ثم فإنه سيحارب أية عمل جماعي خارج على النظام الدولة وسيناهض الجماعات الاسلامية والحزبية لأنها في رأيه ضد مفهوم الجماعة وحربه ضدهم تهدف الى إنهاء التفرق في الأمة وإلتفافها حول سلطانها . (8)
وأخذ الهجوم المدخلي على الاخوان محورين :- المحور الأول :- المنطق العقلي الذي يتتبع أخطاء الاخوان السياسية والعلمية والتاريخية من وجهة نظر هذا التيار وأحيانا كثيرة من وجهة نظر خصوم الجماعة من العلمانيين واليساريين والليبراليين ليصل في النهاية الى نتيجة مؤداها أن وجود جماعة الاخوان جعلت من الواقع أكثر مرارة وزادت الفرقة والانحراف عن النهج السلفي القويم فعلى سبيل المثال كانت هناك مشكة فلسطين والآن زاد عليها مشاكل في أفغانستان والشيشان وكشمير وغيرها كما أن فتق الفرقة اتسع بتعدد الجماعات والاتجاهات والزعامات ولم يستطع الفكر الاخواني أن يعالج انحراف الأمة في العقيدة أو في السياسة أو في السلوك أو حتى في مشاكلها الحضارية التي تئن بها بل ذهب المداخلة الى أكثر من ذلك وهو القول بأن سبب هذا الانحراف هو الفكر الاخواني نفسه .. والمحور الثاني : يعرض الجماعة بأفكارها وتجربتها على عين شرعية سلفية يؤكد رموز هذا التيار على أنها عين الكتاب والسنة بفهم السلف الصحيح والنقي .ليصل الى نتيجة مؤداها أن جماعة الاخوان المسلمين جماعة بدعية لا سلفية شرعية وأنها خارجة على منهج أهل السنة والجماعة .(9)
ألف محمود لطفي عامر – أحد رموز المدخلية المصرية – كتابا تحت عنوان ( تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الاخوان المسلمين ) شن فيه هجوما شرسا على جماعة الاخوان المسلمين بالاضافة الى عدد كبير من المقالات والمحاضرات الصوتية والمرئية اتهم فيها جماعة الاخوان المسلمين بأنها جماعة تكفيرية خوارجية تتبنى مفاهيم العمل السري بل ان الرجل تعرض الى رموز الاخوان بالنقد العنيف من خلال تتبعه لسيرهم ومذكراتهم وأقوالهم لاثبات أنهم مبتدعة يخالفون شرع الله وخصص عامر فصلا في كتابه يتهم فيه حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين بأنه صوفي وحزبي وهو اتهام من وجهة نظر الكاتب يجرح المتهم به ويسقطه .
ويكاد يكون اتهام حسن البنا بأنه صوفي اتهاما يشترك فيه معظم رموز المدخلية المصرية فهذا الاتهام له حساسيته عند منتمي الفكر السلفي بشكل عام فقد هاجم الشيخ محمد سعيد رسلان حسن البنا-مؤسس جماعة الاخوان- واتهمه بأنه صوفي مستشهدا بفقرات من كتاب البنا "مذكرات الدعوة والداعية " أكد فيها البنا بأنه أسس جماعة الاخوان المسلمين خلفا لجمعية الطريقة الحصافية الشاذولية الصوفية التي أنشأها في بلدته في المحمودية إحدى قرى محافظة البحيرة .(10)
وفي المحاضرة ذتها هاجم رسلان عدد من رموز جماعة الاخوان المسلمين مستندا على كتب كتبتها تلك الرموز أو تصريحات صرحت بها الى الصحف لاثبات انحراف مناهج لجماعة.
فاعتبر رسلان أن ماقاله حسن البنا من أن خصومة الأمة مع اليهود ليست دينية لأن القرآن حث على مصاهرتهم ومصادقتهم وأن الاسلام شريعة انسانية قبل أن تكون شريعة قومية انحرافا عن عقيدة أهل السنة والجماعة وفهما مغلوطا وغريبا.
وفي المحاضرة نفسها هاجم رسلان المرشد الثالث لجماعة الاخوان عمر التلمساني لأنه اعترف في كتابه "ذكريات لا مذكرات" بأن في حياته بعض مالا يرضي المتشددين من الاخوان وغيرهم مثل حبه للرقص الافرنجي والموسيقى وحبه للانطلاق في حياته بعيدا عن التزمت الذي لم يقر به دين .
كما هاجم رسلان الشيخ يوسف القرضاوي معتبرا اياه من الاخوان المسلمين وذلك لأنه امتدح الديمقراطية الاسرائيلية في خطبة جمعة له نشرت في مجلة الوطن الكويتية (11)
وانتقد رسلان بحده وغضب ماقاله القرضاوي في برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه قناة الجزيرة الفضائية ناعيا بابا الفاتيكان يوحنابولس الثاني ووصفه له "بأنه علم من أعلام المسيحية ..والحبر الأعظم .. وأنه كان مخلصا لدينه وناشط في نشر دعوته والايمان برسالته فنحن ندعوا له للرحمة ويجزيه بقدر ماقدم للانسانية من خير ومن عمل صالح .. نسأل الله ان يعوض الامة المسيحية فيه خيرا "(12)
وهاجم محمد سعيد رسلان شعار الاخوان المسلمين الشهير " الاسلام هوالحل " وقال:- كل شعار يرفع لابد أن يكون صحيحا في ذاته وأن يكون مرفوعا على حقيقه صحيحة وأن يكون مناسبا للزمان الصحيح والمكان الصحيح وتسائل رسلان مستنكراً :-هو الحل لكن ماهو الذي هو الحل؟ . يقولون نحن البديل أي بديل ؟البديل في كتاب الله وسنته هى التقوى والتقوى تحتاج الى علم نافع وعمل صالح والعلم النافع ينبغي أن يكون مقيدا بما جاء به رسول الله (ص) كتابا وسنة والعمل الصالح ينبغي أن يكون على قدر ما جاء به الرسول كتابا وسنة .(13)

المدخلية والاضرابات

في مطلع العام 2007 نشطت الاضرابات في مصر وانتفضت فئات اجتماعية في مصر تطالب بتحسين أوضاعها وبالتوزاي مع هذا النشاط نشط شيوخ ودعاة المدخلية في مصر في الدعوة والتحذير من تلك النشاطات ورأت أنها خطر يهدد الأمة وسيأخذ بها الى منزلق خطير ان لم يتم إيقافه.
في خطبة له أكد محمد سعيد رسلان أن الاعتصامات والمظاهرات والعصيان المدني وتحريك الجماهير من أجل إحداث ثورة هو من عقائد الخوارج .(14)
وشن الشيخ هجوما حادا على الصيادلة المصريين بسبب عقدهم اضرابا جاء اعتراضا على تشريع قانون جديد رأوا فيه اجحافا بحقوقهم وطال الهجوم أشخاص الصيادلة الذين رأى الشيخ أنهم كانوا من أبناء الطبقة الكادحة التي أصبحت الآن تنعم بالمال والرفاهية بسبب تجارة الدواء التي تدر ربحا هائلا بعد تجارة السلاح ويتسائل الشيخ " ماذا يريدون بعد ذلك ؟ وزاد الشيخ في هجومة متهما الصيادلة بأنهم يتاجرون في الأدوية المحروقة وفي الأدوية المخدرة ويستخدمون أجهزة قياس الضغط والسكر في صيدلياتهم بما يخالف القانون وأنهم أي الصيادلة يغيرون تاريخ الأدوية بعد انتهاء الصلاحية بل ذهب الشيخ لأبعد من ذلك وهو أن الصيادلة الذين يمنعون دواء الانسولين لمرضى السكر الذين يموتون بسبب ذلك فإنه قتل شبه عمد واعتبر أن ذلك خيانة للأمة وللدين . ثم يدافع الشيخ عن القانون محل اعتراض الصيادلة.(15)
وأصل أصلان لحرمة الاضرابات والاعتصامات شرعيا وساق في سبيل دعم حجته بعض الفتاوى التي صدرت عن بعض كبار الفقهاء في المملكة العربية السعودية منها فتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين الذي سؤال عن حكم الاضراب عن العمل في بلد مسلم فقال : ان قضية الاضراب عن العمل سواء كان عملا خاصا أوكان بالمجال الحكومي لا نعلم له أصلا في الشريعة الاسلامية يبنى عليه ولاشك أنه يترتب عليه اضرار كثيرة بحسب حجم هذا الاضراب شمولا (16)
وعن السؤال نفسه سأل الشيخ صالح الفوزان فأجاب :- ديننا ليس دين فوضى ديننا دين انضباط ونظام المظاهرات ليست من أعمال المسلمين دين الاسلام دين هدوء ورحمة لافوضى فيه ولاتشويش ولا إثارة ولا فتنة والحقوق تأخذ بالمطالبة الشرعية .
كما أصل رسلان شرعيا على حرمة الاضرابات واعتبرها تخالف أصلا من أصول أهل السنة في معاملة الحكام وأصل عقليا أيضا على حرمة هذه الاضرابات ورأى أنها ستضيع مكاسب الاسلام في هذا البلد فمن يحرك هذه الاعتصامات هم فلول اليساريين والعلمانيين ومن جمهرة المثقفين الكهول التي لا تحرص على اقامة دين الله في الارض بل تتطلع الى مناصب دنيوية ومطامع مادية فهم إن نجحوا في إحداث ثورة وفوضى فلن يمكنوا لدين الله في الأرض وسيضعوا يدهم على مقدرات ومقادير المسلمين وينزوي الاسلام في المساجد لاعلاقة له بالحياة وإن خابوا فستضيق الحكام على دعاة الله بعدما أتيح لهم نشر دعوة الله في الأرض فما فعله الاخوان مع عبدالناصر أضر المسلمين كلهم ومافعلته الجماعات الخارجة على السادات ومبارك من بعده ضيقت على دعاة الله وأثرت على الأمة أبلغ الأثر .
ثم يوجه رسلان خطابه الى الامة المصرية وحثها الى عدم الاقتداء بما حدث في الدول السوفيتية القديمة لأن ذلك لن يفيد الاسلاميين ولن يكون على هواهم فيقول : "لا يخدعنك بما يحدث في بعض الدول الشيوعية أو بعض الدول الكافرة بما يقال له بالثورة البرتقالية فهذا التكتيك لن يكون على أجندةالمسلمين..ياللمسلمين اتقول الله في الامة لوحدثت لن تكون على هواكم لن تضر الا المسلمين فاتقوا الله في الدماء والاعراض"
ويشبه رسلان الدعوات للاضرابات والاعتصامات بدعوة ماركس للثورة وينكر على هذه الدعوات وصف الاصلاحية ويسأل :هل يدعون الى الاصلاح بتحريك الشعب من معدته؟ هل هذا مؤسس على الوحي المعصوم أم على الظن الموهوم وعلى الافكار القادمة منكم ورؤسائكم ؟. هذه دعوة ماركس ليست بدعوة محمد (ص) كان الناس يعانون وكثير منهم لا يملكون والنبي لم يقل لهم بعثت من أجل الاصلاح بالمظاهرات ولم يقل بعثت من أجل خاطر الفقير المكسور وانما دعاهم الى عبادة الله وحده الى اخلاص العبادة لوجه الله جل وعلا ولم يقل (ص) أن يترك المنصب وأن يعلو على عرش يتخذ من أجل أن يحمله يقال له مالي أن اتبعتك فيقول له الجنة لم يجعلها ثورة للاغنياء على الفقراء ولا للمطالبين بالمساواة في مجتمع طبقي كانت الطبقية صارخة في ظهورها وحدتها .
ويطلق رسلان على الدعوة الى الاضراب العام مسمى "الدعوة الى الاضرار العام" ؟ ويؤكد على أن من يحرك الدعوة الى "الاضرار العام" بهذا البلد المسلم هم أصحاب المطامع والتطلع الى السلطة وتحركه تلك الطوائف التي لا تعنيها هموم الجماهير الكادحة في شىء هذه الطوائف التي لا تعنيها الا أي مصير تسير مصر ؟ بل ان أكثر هؤلاء الدعاة الى "الاضرار العام" هم من حارب الدين ويحاربه ويعتدي على الدين وثوابته ।(17)

المدخلية والتوريث

كان من الممكن معرفة رأي المداخلة في قضية توريث الحكم حتى ولولم يعلنوا آراءهم بشكل صريح فالمدخلية يسلمون بقرار ولاة الأمر على اعتبار أنهم أمراء للمؤمنين وماعلي الرعية الا السمع والطاعة طالما اعتبروا أن هذا الحاكم مسلما وان كان فاسقا ومن ثم فمناط السمع والطاعة ليس الدستور بل هو الحاكم الذي لهو الغلبة فإن أراد هذا الحاكم أن يورث الحكم لنجله فإن من الواجب السمع والطاعة له طالما رأى أن في ذلك مصلحة..الا أن احدا من المداخلة لم يصرح بذلك الا منذ عام تقريبا فعندما تعالت أصوات المعارضة لتوريث الحكم ولم تقتصر على الطوائف المعارضة فقط بل امتدت لتشمل معظم شرائح الشعب المصري شعر المداخلة بالقلق لأن ارتفاع نبرة المعارضة لمشروع التوريث من الممكن أن يؤدي الى القلاقل والاضرابات في البلاد-حسب رأيهم- وهو الامر الذي يضع المداخلة على كاهلهم محاربته ومحاولة عدم وقوعه فبالاضافة الى مناداتهم ودعوتهم الانصياع لاوامر الحاكم وقراراته حاول أحد رموز المداخلة أن يحسم أمر توريث الحكم من الناحية الشرعية والافتاء بأنه جائز شرعا وهي الفتوى التي هوجمت بضراوة من كثير من الصحف المعارضة والكتاب المعارضون للتوريث بل وهوجمت من كثير من رموز السلفية وكانت محلا للسخرية من رواد المنتديات والمواقع السلفية على الانترنت.
فوجئت بعض الصحف وبعض المواقع الالكترونية بفتوى لمحمود لطفي عامر يصف فيها مبارك بأنه أمير المؤمنين وبالتالي فله أن يورث الحكم الى نجله جمال مبارك وأن هذا ليس ابتداعا أو اجتهادا جديدا، وإنما ما استقر عليه السلف الصالح، وهم خير القرون الثلاثة الأولى المفضلة من تاريخ الإسلام ( 18)
وأضاف: ما قلته ليس بدعا فقد توفي الرسول ولم يستخلف أحدا بعينه تصريحا، وإنما قدم أبا بكر الصديق لإمامة الصلاة أثناء مرضه تفضيلا، فأخذ المسلمون أولويتهم بالخلافة فبايعه المسلمون الأوائل، ثم استخلف أبو بكر عمر رضي الله عنهما، واجتمع المسلمون على ذلك، ثم جعلها عمر في ستة، فاختير من الستة عثمان رضي الله عنه ثم استشهد ولم يستخلف، واختار المسلمون عليا بن أبي طالب ولم يستخلف هو أيضا، ثم اختار المسلمون الحسن بن علي حتى انتهى المقام بتنازل الحسن، وسمي هذا العام عام الجماعة".
وأكد أن اختيار الخليفة أو الحاكم ليس فيه نص شرعي صريح، ولو كان الأمر كذلك لحسم الأمر في خلافة أبي بكر وما بعدها، فدل ذلك على أن الأمر خاضع للاجتهاد من أهل الاجتهاد.(19)
وذكر عامر : ان التوريث بدأ في عهد معاوية رضي الله عنه ولم يعترض غالبية الصحابة وعلى رأسهم ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما، وعد هذا الأمر اجتهادا من الخليفة معاوية، ولعدم شق عصا الجماعة وافق المسلمون على ذلك، واستمر الحال قرونا باستخلاف ولي للعهد ولم ينكر هذا الصنيع أي إمام من أئمة أهل السنة والجماعة، كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل.
وشن عامر هجوما عنيفا على من يثيرون الناس على مسألة توريث جمال مبارك الحكم، وقال: مبلغ علمي لا يوجد نص دستوري يمنع جمال مبارك بعينه من تولي الحكم باعتباره مواطنا مصريا توافرت فيه الشروط الدستورية المعروفة.وقال ان ورث مبارك ابنه فقد ورث من هو خير منه قبل ذلك، ولم يعترض عليه الصحابة وهو معاوية كاتب الوحي، فماذا تقولون ولماذا لا تعترضون؟.
وأكد الشيخ لطفي عامر أن الفتوى التي قالها بجواز التوريث شرعا جاءت لدرء فتنة الصراع على السلطة، فإن تولاها جمال مبارك فإننا معاشر السلفيين سنسمع ونطيع في المعروف لجمال مبارك.
وأصر عامر على فتواه "متحديا أي عالم شرعي يخطئ ما ذكرت، أنا لا أناقش صلاحية جمال مبارك للحكم من عدمها، فهذه ليست قضيتي، ولكنى أبحث في الموقف الشرعي من نظام الحكم، وإننا نتعامل مع واقع كما فعل الصحابة أنفسهم لدرء فتنة الصراع الذي تسفك فيه الدماء.
وطالب الشيخ عامر لطفي المعارضين أن يأتوا بنص شرعي خلاف ذلك، وقال ما يقال عن الدستور فلا شأن لي به يسأل عنها غيري. وشدد عامر على أن كلامه ينصب على موقف السلفيين من قضية التوريث .
وفي مقال له يرد على الهجوم عليه من بعض الصحف المعارضة والخاصة قال عامر أنه يتحدى أي شخص يناظره فيما قاله ودافع عن معاوية بن سفيان أول من ورث الحكم في الاسلام وقال عن ولايته أنها استمرت بلا مشاكل أو فتن فكثرت الفتوحات وزاد الخير والرغد وعُد معاوية رضي الله عنه خير ملوك الأرض ولا يجادل في ذلك إلا جاهل بالتاريخ أو صاحب قلب مريض،(20) ثم استمر عامر في الدفاع عن معاوية وقال أنه اجتهد بشأن استخلاف ابنه يزيد فدخل في البيعة ليزيد عموم وغالبية الصحابة ومنهم الأكابر والفقهاء منهم في هذه الفترة كابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم، فلو كان مبدأ التوريث غير جائز شرعاً لأنكر الأكابر وأظهروا دليل المنع لأنه لا يجوز في حقهم إخفاء نص يمنع التوريث. فقد رأى الصحابة الكبار بحكمتهم وبما لديهم من فقه السنة أن يدخلوا في بيعة يزيد بن معاوية لعدم شق عصا الجماعة ودرءاً لفتنة الاقتتال، وبناء على ما سبق جاءت الفتوى بجواز توريث جمال مبارك لوحدة الجماعة في مصر وعدم شق عصاها وبث الفرقة والصراع من أجل السلطة، كما أن الإجماع يكاد ينعقد عند أهل السنة والجماعة قديماً وحديثاً على جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل ودليل ذلك صنيع الصحابة مع يزيد بن معاوية والذي أخذوه من النصوص النبوية ومنها : (( عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي)).
ثم يتطرق عامر الى الناحية السياسية والدستورية فيقول :-لماذا نثير الناس ونشحنهم بالحقد والغل والكره تجاه السيد جمال مبارك؟ فما الذي يمنع جمال مبارك أن يتولى الحكم من الناحية الدستورية؟ أليس جمال مبارك مواطناً مصرياً من أبوين مسلمين مصريين؟ فهل نصوص الدستور التي بينت طريقة اختيار الرئيس بها نص خاص بجمال مبارك؟ أم أن النصوص عامة لمن توافرت فيه هذه الشروط، فإذا كانت النصوص الشرعية لا تمنع والنصوص الدستورية لا تمنع فلماذا هذا النكير وهذا الغلو في الرفض فمن الذي يسعى للفتنة محمود لطفي أم غيره ؟ (21)

المدخلية والمقاطعة

في مقال له بعنوان "المقاطعة بين التهييج والتشريع" فاجأ محمود لطفي عامر الكثيرين بالهجوم على دعاة مقاطعة المنتجات الامريكية واليهودية والدنماركية واتهمهم بالتهييج والغوغائية واثارة العواطف دون الرجوع الى الشريعة لاستنباط الاحكام بأدوات شرعية لاتخضع لميل ولا هوى .ويبدأ عامر مقاله بسؤال عن :-ما هو الموقف الشرعي تجاه بضائع ومنتجات هذه الدول ؟ ثم يجيب عامر على السؤال الذي طرحه ويخرج بنتيجة مؤداها أن مقاطعة منتجات هذه الدول ليس له أصل في الدين حتى ولو كانوا أعداء "محاربين " إلا أن عامر يستثني من ذلك إذا رأى ولاة الأمر أن مصلحة المسلمين لمقاطعة سلعٍ لبلد معينة هنا تكون المقاطعة سليمة وشرعية والتحريم هنا ليس لذات هذه السلع المُقاطَعة وإنما التحريم هنا للمصلحة التي يراها ولاة الأمر (22)
لكن عامر ينوه لما يقال من حين لآخر بحرمة سلع معينة واتهام الناس بما ليس فيهم لمجرد أنهم يستوردون سلعاً من بلاد تعادي الإسلام والمسلمينـ ويؤكد عامر أن الأصل في التحريم النص الشرعي وليس النص العاطفي لكن لا مانع أن يكون هناك وعي شعبي بالإقبال على السلع والمنتجات المحلية لتشجيع وتطوير الاقتصاد الوطني فهذا أمر والتحريم والمقاطعة أمر آخر ـ وليس لأي جهة في المجتمع نقابية كانت أم أهلية بل ليس للأزهر نفسه ولا دار الإفتاء أن يصدر عنهم مقاطعة سلعة أو منتج إلا بعد الرجوع للحكومة فهي المعنية بالصالح العام ، أما السلع المنصوص على تحريمها كالخمر ولحم الخنزير فهذا من المعلوم من الدين بالضرورة وإنما الحديث عن المنتجات التي هي في الأصل حلال إلا أنها تنتج في بلاد تسئ للإسلام وأهله .
ويضيف عامر في مقالته :- لا ينبغي أن يعول المسلمون على أي أوراق تلصق أو توزع بها قوائم سلع معينة لمقاطعتها إلا إذا صدر بذلك مرسوم رسمي من قبل الدولة من الجهات المختصة بذلك كرئيس الدولة ورئيس الوزراء أو وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أما ما دون ذلك فلا يعتد به شرعاً وعقلاً ، بل إن عامر يعتقد أن توزيع مثل هذه القوائم العشوائية من جهات مجهولة أو جهات غير مختصة من الإفساد للمال العام والخاص لأن هذه السلع الأجنبية الموجودة حالياً بالأسواق هي من حرّ مال المسلمين وقد استلمت هذه الدول المنتجة ثمنها من المستوردين المصريين فمقاطعة هذه السلع معناه ركودها في المخازن حتى تفسد وتلقى مع النفايات فما ضرّ ذلك هذه الدول بالصورة التي يشيعها الفوضويون ، زد على ذلك لو تمت المعاملة بالمثل وبادلتنا هذه الدول مقاطعة بمقاطعة فحجبوا عنا سلعاً ضرورية لحياتنا اليومية خاصة وأنهم يحتكرون كثيراً من المنتجات الحيوية والتي لا غنى عنها بالنسبة لنا فماذا سيكون الموقف ؟

والحل الأفضل من وجهة نظر عامر :- هو أن يحث دعاة المقاطعة المسلمين على الإجادة في العمل والإنتاج وزيادته والتميز فيه ليكونوا قوة اقتصادية مؤثرة حينئذ لو احتاج المسلمون للمقاطعة المؤثرة كان ذلك أرجى وأجدى ، أما أن نقاطع ونحن عالة على العالم فهذا يحتاج إلى إعادة نظر
ويذكر عامر أنه مع الموجة "الفوضوية" السابقة للمقاطعة العشوائية مع أحداث الانتفاضة وضرب أفغانستان والعراق استغل البعض هذه الفوضى فطبعوا ووزعوا أوراقاً لمقاطعة منتجات لشركات منافسة وهي إسلامية خالصة برأس مال مصري سعودي ماليزي وزعموا أنها يهودية وهكذا الجهل يؤدي إلى الفوضى والفوضى يلازمها الدمار .
ويوجه عامر في نهاية مقاله نداءً لكل الغاضبين تجاه بعض الدول التي ساهمت في الإساءة الى النبي (ص) والتي لن تكون الأخيرة ؛ فليتبرع كل غاضب بجنيه واحد ويشتري أهل كل مسجد كتاب صحيح الإمام البخاري الذي جمع أصح ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُلزِم وزارة الأوقاف الأئمة والخطباء قراءة صحيح البخاري يومياً على المصلين ولو بمعدل خمسة إلى عشرة أحاديث بهذه الطريقة يزداد المسلمون إيماناً وحباً لنبيهم بدلاً من تضييع الأوقات في هتافات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع .(23)

المدخليةوالجهاد

الواقعية السياسية جزء مهم ومفتاحي لقراءة عقلية المداخلة فالجهاد عندهم يرتبط بالغاية من ورائه وهي المصلحة ويخضع لمعايير الخسارة والربح لأن الغرض في النهاية هو النفع ولذلك فالمداخلة شديدي النقد والهجوم على الحركات الجهادية في العالم وحتى المقاومة في فلسطين لأنها لا تحكم هذا المعيار .
فأسامة القوصي يصف من يسمون نفسهم مقاومين ومنهم حركة حماس والجهاد في فلسطين بأنهم حمقى ومغلفين وينزع عنهم صفة المصلحين
وذهب الرجل إلى حث حماس إلى قبول الصلح مع إسرائيل كما فعل السادات واستشهد بصلح الحديبية التي كان فيها إجحاف بالنبي لكن النبي قبلها لأنه لم يكن قد تمكن من مقومات النصر بعد الحال نفسه الآن بيننا وبين اليهود فهم الأقوى ونحن الأضعف .(24)
والقوصي يرى أن الجهاد في زماننا من فروض الكفايات لأن هناك جيش لكل بلد والجيش يسد هذا الواجب العيني لو قلت أن هذا الجيش جيش الطاغوت ستكون دخلت في عقيدة الخوارج حتى في جهاد الدفع والطلب لأن الجيش المصري هو الموكل عنا وعليه الدفع حتى لو دخل العدو إلى البلاد
وتأتي آراء الرجل السياسية منسجمة مع هذا القاعدة فلا يكل من الهجوم على حماس والحلف السوري الإيراني ويرى منهم محور شر يريدون أن يورطوا بلادنا في الفوضى.(25)

المدخلية وحماس

عندما وصلت حماس الى السلطة صارت هناك اشكالية عند المداخلة فقبل وصول حماس الى السلطة كان على حماس أن تسمع وتطيع الى السلطة القائمة في فلسطين ووالي الأمر فيهاياسر عرفات ومن بعده محمود عباس والا فهم خوارج واما وأن وصلت حماس الى السلطة فهل تكون هي الجماعة وولاة الأمر وتطبق القاعدة لصالحها وهي أن يسمع لها ويطاع ولا تعارض من باقي الفصائل الفلسطينية سأل أسامة القوصي عن ذلك فأجاب :
بأن حماس الآن هم ولاة الأمر ويجب أن يسمع لهم ويطاعوا بحكم الانتخاب وبحكم الأمر الواقع لكن في المحاضرة التالية مباشرة وفي مسجده "الهدي المحمدي " استدرك القوصي فتواه وأشار الى أن الحكومة ليس كما يفهم السائل فالحكومة تعني رئاسة الوزراء والوزراء أما رئيس السلطة فهو محمود عباس وهوموجود وليس من حماس فولاية الأمر ليست في يد حماس..ومن ثم فحماس لها ولاية في حدود اختصاصها فقط .
الا أن القوصي لايفوت الفرصة دون أن يقوي مواقفه السالفة ويؤكد على أن حماس في السلطة لن تكون هي حماس في المعارضة ويذكر المثل المصري العامي " الذي يده في النار ليس كالذي يده في الماء" . ثم يتحدث القوصي عن الواقعية السياسية ويتنبأ بأن حماس لن تتمسك بمبادئها المعلنة مثل إزالة اسرائيل من الوجود وهي في السلطة لأن هذا غير واقعي ويتعارض مع توليهم السلطة لأن هناك اتفاقيات وقعتها دولة فلسطين مع اليهود ويؤكد القوصي على أنه يجب على المسلمين التمسك باتفاقات السلام الموقعة مع اليهود لأن "ذمة المسلمين واحدة" ثم يتحدث عن مبدأتوارث الاتفاقات الدولية وأنه من مبادىء الاسلام حتى لو تغير الاشخاص ويتسائل مستنكرا :كيف انقض اتفاق اتفق عليه من قبلي أنا لا أمثل نفسي أنا أمثل بلدا وإن حدث ستكون هناك فوضى والعالم كله لايسمح بهذه الفوضى .. ثم يستشهد القوصي بكلام الرئيس المصري مبارك الذي يصف كلامه بأنه "عاقل" لأنه قال "الممقاومة حق مشروع لكل الشعوب لكن المقاومة لابد أن تخضع لمعايير الربح والخسارة "ثم يعرض القوصي بحماس وحركات المقاومة بقوله "الخطب الرنانة لا تطعم جائعا ولا تؤمن خائفا"(26)
ويهاجم محمد سعيد رسلان حماس بشدة ويصفها بأنها من خوارج العصر لأنهم انقلبوا على السلطة الفلسطينة في غزة وأسالوا الدماء المسلمة ويصف ممارساتهم بأنها مبنية على عاطفة ولاتمت للشرع بصلة ويرد رسلان على حماس في قولهم بعد حدوث الانقلاب في غزة أنهم لابد من أن يطهروا البلاد ويحمون البلاد من أولئك الخونة الأوغاد ويذكرهم بقول النبي (ص) الذي رفض أن يقتل المنافقين وعلل ذلك بقوله " لا تتحدث الناس أن محمد يقتل أصحابه "
ويستنكر رسلان مقولة مؤيدي حماس " إن الله معنا " عندما يهددون بأن الأمم ستتكالب عليكم لتطحنكم طحنا لأن رسلان يؤكد على أن المعية الآلهية ليست من نصيب حماس لأنها ليست من أمة الايمان والاتباع الصحيح .
ويندد محمود لطفي عامر بموقف حماس ويرى أن فوز حماس بالانتخابات ليس دليلاً على صحة منهجهم الشرعي فالمنهج الشرعي يحدد شرعيته الدليل الشرعي بل أن هذا الفوز جاء بناء على رغبة امريكية يهودية ثم يدعوا حماس الى الجلوس للتفاوض مع اليهود .(27)
ويخلص محمود لطفي عامر في مقاله له بعنوان "ليس بالحماس وحده تعيش حماس "بأن الخيار العسكري عند حماس نوع من الجنون والمكابرة والانتحار فالجهاد في الإسلام ليس مقصوداً لذاته بل هو وسيلة لإعلاء كلمة الله أولاً ثم تحقيق الأمن والأمان للمسلمين فإذا لم يتحقق هذا لا يشرع الجهاد حتى تكتمل العُدة الإيمانية والعسكرية والاقتصادية والقول بغير ذلك تقول على الإسلام وفقه الجهاد بلا علم . فلم يبق أمام حماس إلا التفاوض السلمي لقد أوهمت حركة الإخوان المسلمين عموماً وحماس خصوصاً أن الجلوس مع يهود خيانة وعمالة ولا يجوز وأن الجهاد فرض عين وأن أي صلح مع يهود حرام وأي تنازل عن شبر من فلسطين هو قمة الخيانة ،
وينصح عامر حماس بالرجوع الى فقه الجهاد وتاريخ المعاهدات في الإسلام فلو حققوا الأمر لوجدوا أن القاعدة المجمع عليها (( فاتقوا الله ما استطعتم )) الآية ..وما لا يدرك كله لا يترك كله وينصحهم بأن يرجعوا الى فتاوى الأزهر في شأن الصلح مع يهود وكذا فتوى مفتي السعودية السابق ابن باز ، كما ينصحهم أن يمعنوا النظر في فقه معاهدة صلح الحديبية التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع المشركين .. ثم يؤكد على في نهاية مقاله على أن ما صنعه الرئيس السادات من عقد الصلح مع اسرائيل ليس بمحذور شرعي بل هو من عظيم فقهه وسيظل التاريخ يحفظ له صنيعه هذا وإن شكك في ذلك السفهاء .(28)
المدخلية والسلام مع اسرائيل

لايرى المداخلة بأس في الصلح مع اليهود فإسرائيل في حال قوة ونحن في حال ضعف والنبي (ص) لم يأذن له بالجهاد الا بعد أن أقام شرع الله في الأرض وقوية شوكته بل أنه عاهد اليهود في المدينة وعقد مع قريش صلح الحديبية لأنه لم يكن يمتلك مقومات القوة حينئذ فلم يأذن له بالقتال.. فالعقل له منزلة مقدمة عند هذا التيار وهي من معالم المنهج السلفي .
فأسامة القوصي يؤيد بشدة اتفاقية السلام مع اسرائيل ويدين موقف العرب الذي رفض المعاهدة وخاصم الرئيس السادات بل أنه يدينهم لأنهم لم يساندوا موقف مصر خلال حربها مع اسرائيل ثم يمتدح السياسيون المصريون ويصفهم بأنهم عقلاء درسوا حقيقة الأمور ونزلوا الى ارض الواقع وينفي عنهم اتهام أنهم تنازلوا ويقول :ليس تنازلا وإن كان فهذا التنازل جعلنا نسترد سيناء حتى لوقال قائل ليس هناك جيش في سيناء "هناك جيش أم لاليس هناك مشكلة " الآن نحن في وقت صلح وهذا الصلح له بنوده قد نتنازل وقد نوافق على بعض الشروط التي كنا لا نوافق عليها قديما وهذا نفس مافعله النبي مع الكفار في صلح الحديبية تنازل وقبل شروط فيها أجحاف للمسلمين لأن وضع المسلمين من حيث القوة يقتضي ذلك ... وهذه العقود تعجبك أولا تعجبك هذا صلح ويجب الوفاء به يجب النزول الى أرض الواقع " اتقوا الله ما استطعتم ".(29)
بل أن المداخلة ذهبوا لابعد من ذلك وهي جواز التطبيع مع اليهود فمحمود لطفي عامر يكتب مقابل بعنوان "تصدير الغائز لاسرائيل جائز" ثم أخذ يؤسس شرعيا لهذا فيقول:-
أولا :- أنه لا يجوز لأحد أن يحلل شيئا أو يحرم شيئا من تلقاء نفسه والا كان ممن شمله وعيد الآية ( إن الذين يفترون على الله الكذب لايفلحون ) ثم يتسائل أين هو الدليل الشرعي الذي يحرم التصدير للعدو أو للصديق ؟
ثانيًا: وقد تعامل الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع غير المسلمين بيعًا وشراءً رغم عقائدهم المخالفة وعدم إيمانهم به ورغم محاربتهم له - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ولقد مات - صلى الله عليه وسلم - ودرعه مرهونة عند يهودي.
ثالثًا: طعام اليهود والنصارى وذبائحهم حلال بنص القرآن (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ...) [المائدة آية: (5)]، ولا يتصور إباحة هذا الحلال بدون بيع أو شراء، وهذه الآية ونحوها نزلت والحروب منصوبة من الكفار على النبي - صلى الله عليه وسلم - والمؤمنين ولم تفرق الآيات بين حالة السلم أو الحرب، فمن أين نادى البعض بتحريم سلع معينة أو أطعمة أو أشربة بذاتها؟
رابعًا: ولا زال تجار المسلمين يدخلون ديار غير المسلمين وكذلك تجار غير المسلمين للبيع والشراء رغم اختلاف الدين والعقائد، حتى في أثناء الحروب كانت تتم التجارة بينهم ولكلٍ أمانُهُ وهذا مدوّن في كتب الفقه فليس الشراء أو البيع مع العدو اليهودي خيانة أو جريمة طالما أن التجارة تسير وفق الشريعة والنظام العام الذي وضعته الدولة لهذه المعاملات، والقول بغير ذلك تقوّل على الإسلام بلا علم وبلا بيّنة والقصد منه البلبلة والتشويش.

خامسًا: التذكير بما دَوَّنَه الإمام بن قدامه أحد أئمتنا في الفقه والمتوفى في القرن السادس الهجري صاحب كتاب ( المغني ) حيث ذكر في جـ 8 ص523 حيث قال إذن أصل المسألة الإباحة والجواز لمن كانت صفته كما ذكر [حربي] أي عدو يحاربني نهارًا ثم يأتيني ليلًا بصفته تاجرًا فيعامل بصفته التي بها دخل ديارنا، وإذا كان هذا حال الحرب فمن باب أولى جازت التجارة معهم حال السلم، وإذا جاز للأعداء المحاربين أن يدخلوا إلى ديارنا للتجارة، جاز لتجارنا أن يدخلوا ديارهم لنفس الغرض ولا زال هذا هو المقرر شرعًا وفقهًا فمن أين أتى نفر من الشيوخ بالتحريم؟!
ثم يخلص عامر في نهاية مقاله إلى :-إن التعامل مع المحاربين بيعًا وشراءً الأصل فيه الجواز فيما أحله الله من مطعومات أو مشروبات أو أي سلعة أخرى منتجة هي في الأصل حلال ووفق ما يصدر من ولاة الأمر من قوانين ولوائح تنظم مثل هذه المعاملات، لأن الضرورة اقتضت ذلك، والأعراف الإنسانية تواترت على احترام وإجازة المعاملات التجارية حتى بين المحاربين فجاء الإسلام وأقر مثل هذه الأعراف ما لم يثبت لولاة الأمر ضرر يلحق بالمسلمين من معاملة معينة أو مجموعة معاملات فَتُمْنَع بإذن ولاة الأمر أي رئيس الدولة وأجهزته المعنية، وليس لأي أحد كائنًا من كان أن يدعو للمقاطعة إلا إذا كان ذلك بتوجه سياسي تتبناه الدولة، والقول بغير ذلك افْتِئَات على السلطة يوجب العقوبة، وأتحدى أي منتسب للعلم أن يقول بغير ذلك عن دليل صحيح معتبر.

وبعد أن يهاجم عامر من وصفهم بأصحاب الدعوات الغوغائية الذين يتلاعبون بعواطف وعقول الناس مع أحداث غزة المأساوية يختم مقاله : ليس لمصر كولاة أمر ولاية على فلسطين المحتلة، وبيننا كمصر وبين العدو اليهودي معاهدة سلام أقرتها حكومة مصر وبالتالي وجب علينا الالتزام بها ما لم يصدر بيان نقض لهذه المعاهدة من قبل ولاة الأمر، أما همجية اليهود فمواجهتها بالتسديد والتقريب وجمع الشمل وليس بالتشتيت والتشويش مع إعداد العدة والقوة الغالبة التي تمكنا من معاونة إخواننا في فلسطين بالطريقة التي يقرها ولاة أمورنا بمصر، وعلى الذين يطالبون قيادة مصر بالمساعدة لأهل فلسطين لحل مشكلتهم أن يدخلوا في طوع النصائح المصرية لحل المشكلة وفق ما هو متاح وليس وفق أوهام وأحلام بعيدة عن أرض الواقع. (30)
المدخلية والسلفيون
هاجمت المدخلية كل رموز السلفية وتياراتها في مصر تقريبا فكل من يخالف منهجهم هاجموه وهم في ذلك يحتسبون الأجر عند الله لأن كشف زيغ المخالفين وانحرافهم عن العقيدة السلفية واجب شرعي يثابون عليه وبالطبع فكل من ليس على منهجهم فهو ليس على المنهج السلفي وفهم السلف لكن يبدوا أن الهجوم على السلفية الحركية كان الاشرس .
فكثيراً ما ينتقد محمد سعيد رسلان السلفيون الحركيون ويصفهم بأنهم أهل ثورة وفتن ومن أهل أحداث القلقة والفوضى ثم يهون من نتيجة دعوتهم ويصفها بالفشل في كل البلاد التي عملوا فيها والتي أوصلوها للخراب والدمار.(31)
أما محمد لطفي عامر فقد نذر نفسه للهجوم على رموز السلفية العلمية وسلفيو الاسكندرية بمجموعة من الخطب وكثير من المقالات منها "وقفات حاسمة مع محمد اسماعيل المقدم ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب" .ومقال بعنوان "محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية " وغيرها كثير .
انتقدهم فيها عامر بقوة واعتبر أن ما يقولوه وينسبوه للمنهج السلفي ليس منه والمنهج السلفي من أقوالهم وقواعدهم براء ثم وصفهم بأنهم قوم مراوغون مخادعون يريدون طمس الحقائق بزيف العواطف والتعصب والهوى
ويتحدي عامر أن يجيب الثلاث حسان ويعقوب والمقدم على بعض الاسئلة وهو يعلم أنهم لن يجيبوه لأنهم يخفون في صدروهم مالايريدون أن يخرجوه لأنهم لو أخرجوه سينكشف حالهم وتتعرى عقيدتهم القطبية والثورية والمخالفة لمنهج السنة وهذه الأسئلة هي :ما هو موقفك من فكر سيد قطب؟ والجماعات الحزبية الدعوية كالإخوان المسلمين والمدرسة السلفية الإسكندرية .........إلخ ؟ ما هو موقفك من ولاية حاكم مصر ؟ هل توجد جماعة في مصر أم لا ومن إمامها؟ وله السمع والطاعة في المعروف أم لا؟ثم ما هو موقفك مما ذكرته في هذا الكتاب بصفة عامة ؟هل تزكى الجماعات الحزبية كالإخوان والجهاد والمدرسة السلفية بالإسكندرية ...الخ ؟
وذهب عامر الى الحد الذي اتهم فيه حسان بأنه ليس على السلفية ثم يعرض عامر بهؤلاء الثلاثي ويقول :لو أخذت بمنطق أشياع الإخوان والمدرسة المسماة بالسلفية الإسكندرية، ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب لكان الأولى بالإتهام هم وليس أنا ،فمحمد حسان ويعقوب والحوينى يملكون الفضاء ويسبحون فيه كيف شاءوا، أما محمود عامر فلا يملك عشر معشار ما يملكون من وسائل
ثم يتهم عامر حسين يعقوب بأنه ينفث عن قطبيته المستترة بقصد أم بدون قصد فيقول (ص 128 - ص 129) من كتابه " الجدية في الالتزام":نعم إخوتاه ،الكل يتعزي بهذا إننا لم نجد الرجل الكبير الذي تلتف حوله الأمة وهذا الرجل لايجتمع إلا في شخص خليفة المسلمين أمير المؤمنين وهذا الرجل في حال فقده الآن فإنه ينبغي [ إخوتاه ] - وهذا منهجنا وطريقنا – إيجاد أهل الحل والعقد من المسلمين لتنصيب الخليفة ..." ويعتبر عامر أن هذا الكلام من يعقوب مثابة سير في فلك الإخوانيين والقطبيين الذين أصلوا أن غاية الدين هي إقامة الخلافة أو الدولة أو النظام وهذا غير صحيح، كما أن دعوي إقامة الخلافة الراشدة لا تستند إلى دليل حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم بين أن الخلافة الراشدة ستكون ثلاثين عامًا ثم تصير ملكًا عضودًا، ومنذ أن صارت ملكًا عضودًا لا يوجد بين أيدينا تأصيلا ً وتقعيدًا من أئمة أهل السنة والجماعة منذ انقضاء الخلافة الراشدة حتى الآن للمطالبة أو لإيجاد هذه الخلافة فهل غفل عن ذلك أئمة المسلمين حتى جاء حسن البنا وسيد قطب والمودودى إنتهاءً بأسامة بن لادن ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب ؟ وهل نحن في زمن نفتقد فيه للإمام [ الحاكم ] حيث يؤكد محمد حسين يعقوب أننا الآن نفتقد أمير المؤمنين الذي تجتمع عليه الأمة بأسرها، فإذا كان هذا واقعنا فمن يكون إذن حاكم البلاد الحالي وأميرها الرئيس مبارك وكذلك حكام الدول الإسلامية الأخرى ؟ (32)
وفي مقال آخر لعامر بعنوان الشيخ محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية وينتقد فيه عامر كتاب " حقيقة التوحيد " لمحمد حسان حيث يرى عامر أن محمد حسان أكثر من استشهاده بكلام سيد قطب من خلال أشد كتبه تطرفًا كتاب " معالم في الطريق " وكتاب " في ظلال القرآن " ، والخطورة هنا كما يرى عامر هي أن فكر قطب يقدمه نفر من الدعاة يقدمون للناس هذا الفكر باسم الإسلام والسنّة والسلفية ، ويطالب عامر بأن من أراد تصنيف دعوة محمد حسان لا يصنفها على أنها سلفية بل هي قطبية مكررة سبقه إليها رموز سعودية كسلمان العودة وسفر الحوالي وأسامة بن لادن وعليه يكون التحذير والتصنيف . (33)

المدخلية وسيد قطب
كان الهجوم على سيد قطب من قبل التيار المدخلي عنيفا لسببين الاول :- أن المداخلة يعتقدون أن الهجوم على المخالفين منهجا شرعيا وأصلا من أصول أهل السنة والثاني : أن قطب هو في نظرهم أول من نظر للأفكار الخوارجية ودعا الى الخروج الى الحكام بعد تكفيرهم وتكفير المجتمع واستندت على أفكاره ورئاه جميع الجماعات الخوارجية وشكل لأفكارهم مددا ومعينا .
ولكن هجوم المداخلة على قطب لم يقتصرعلى فكرة الحاكمية والجاهلية فقط لكن تتبعت كتابات الرجل كلها وأفكاره وتاريخه ومواقفه فكان هجومها عليه شاملا لمحاولة اسقاطه على الأقل في عيون محبيه ومن تأثروا بشخصه وبكتاباته وذلك من خلال ضرب الأسس الفكرية التي يؤسس عليها قطب أفكارها واثبات أن عقيدته مشوبه ومنهجه الشرعي به خلل .
ففي محاضرة لأسامة القوصي شن هجوما عنيفا على سيد قطب متهما اياه بأنه شهر بموسى عليه السلام وقال عنه إنه نموذج للزعيم العصبي المندفع ودعا القوصي جمهوره من الحاضرين أن يعادوا في ذلك وأن يوالوا وهو ما يعني تفعيل عقيدة الولاء والبراء في حق سيد قطب الذي شهر بموسى ثم نزع القوصي عن قطب صفة ولقب الشهيد واستدل بأحاديث نبويه تنفي تأكيد الشهادة لأشخاص لأن الشهادة منزلة عالية من تثبت له تثبت له الجنة وهذا مالا يستطيعه أحد .
ويبرر القوصي الهجوم على سيد قطب بقوله أن قطب ترك كتب بها بدع وضلالات "فكان من واجبنا التصدي لها وينبغي علينا أن نقوم في الناس محذرين من هذه الكتب لأنها تستجلب المصائب والفتن" ثم يستشهد القوصي بما حدث في الجزائر وأفغانستان ويرجع اسبابه الى أفكار قطب والتي يرجع اليها ايضا ماحدث في مصر من دماء قد أسيلت وأعراض قد انتهكت وسجون قد ملئت .(34)
ويشترك الرباعي لطفي عامر وسعيد رسلان وطعلت زهران في الهجوم على سيد قطب واتهامه بأنه أساء لعمرو بن العاص ومعاوية بن أبي سفيان في كتابه كتب وشخصيات واتهام قطب معاوية وعمرو بن العاص وهما صحابيان حاربا علي بن أبي طالب وآل اليهما حكم الخلافة ليس من أصول أهل السنة والجماعة كما ترى السلفية على العموم فسيد قطب قال في كتابة السابق "أن معاوية وزميله عمرو لم يغلبا عليا لأنهما أعرف منه في دخائل النفوس وأخبر منه النظر النافع في الظرف المناسب ولكن لأنهما طليقان في استخدام كل سلاح وهو مقيد اخلاقيا في اختيار وسائل الصراع وحينما يركن معاوية وزميله في الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لايملك علي أن يتدلى لهذا الدرك الاسفل " ثم ذكر قطب لاحقا "أن الثورة على عثمان والتي قام بها عبدالله بن سبأ لعنه الله أقرب لروح الاسلام من خلافة عثمان بفعل ما مكن للمبايء الأموية المجافية لروح الاسلام "
لقد وصف عامر سيد قطب في مقال له بعنوان الآثار الاجرامية لمفاهيم سيد القطب تلك المفاهيم بأن لها آثارا إجرامية مفسدة تُُشاهد عيانًا وتُقرأ في كتب ورسائل تحمل اسم الإسلام والإسلام منها براء ،
ودائما ما يسوق المداخلة في سبيل اسقاط المهاجم بحجج وشواهد على ألسن غيرهم ممن لهم مكانتهم العلمية والشرعية في قلوب المخاطبين فيذكر لطفي عامر في مقاله فتوى منسوبة للشيخ عبد اللطيف السبكي رئيس لجنة الفتوى بالأزهر السابق حيث قال عن كتاب قطب " معالم في الطريق " ً : إن سيد قطب استباح باسم الدين أن يستفز البسطاء إلى ما يأباه الدين من مطاردة الحكام مهما يكن في ذلك عنده من إراقة الدماء والفتك بالأبرياء وتخريب العمران وترويع المجتمع وتصدع الأمن وإلهاب الفتن في صور من الإفساد لا يعلم مداها غير الله . ثم يتعجب عامر من أن المؤسسات الشرعية الرسمية وغير الرسمية يرون الآثار المدمرة لفكر الإخوان عمومًا وسيد قطب خصوصًا ومع ذلك لا يحركون ساكنًا تجاه هذه الظاهرة ، فما المانع لديهم للتصدي لهذا الطوفان الفكري ؟ فإما إنهم مشايعون لهذا الفكر ، أو إنهم خائفون من أتباع هذا الفكر ، وإما احتمال ثالث ألا وهو عدم درايتهم بهذه المفاهيم أصلا ً !! ( 35)
ثم يذكر عامر في مقاله حقيقة سيد قطب: أن سيد قطب ليس بعالم ، وإنما هو أديب كبير ، صناعته الكلام والأدب ، وحينما تعرض للإسلام في كتاباته لم يلتزم المنهج العلمي الشرعي الذي كان عليه السلف في الصدر الأول ، ويعطي عامر أمثلة على ذلك نختصر بعضها في الآتي :
1ـ سيد قطب فسر كلمة التوحيد تفسيراً باطلاً لا تقره اللغة العربية ، ولم يقل به أحد من الصدر الأول ففسرها : "لا حاكمية إلا لله " ، والمعنى الصحيح المتفق عليه بين أهل السنة هو : " لا معبود بحق إلا الله " ؛ فإذا كان تفسير الأساس باطلاً فكيف البنيان الذي أقامه على هذا الأساس الذي زعمه ؟!
2ـ سيد قطب يجنح في فكره للتكفير ، فينعت كل المجتمعات المسلمة بأنها مجتمعات جاهلية كالجاهلية الأولى أو أظلم
3-إن أتباع سيد قطب وحسن البنا نتيجة تربية حزبية فاشلة باطلة يتعاملون من حيث لا يدرون مع هاتين الشخصيتين كأنهما معصومان .
4-وليعلم الشباب المتيم بسيد قطب وكأنه مبعوث العناية الإلهية أن نشأة سيد قطب لم تكن نشأة علمية شرعية أصلية ، بل عاش سيد قطب فترات ضياع كادت تلقي به إلى مزبلة الإلحاد ، كما عاش فترات ضياع فكري وأدبي وصراع نفسي
6- اشتراكية سيد قطب وتربيته على القيام بالإنقلابات والثورات(36)
المدخلية والدعاة الجدد
مع أن الهجوم على الدعاة الجدد لم يقتصر على السلفية المدخلية بل شمل معظم التيارات السلفية الا أن الهجوم من قبل المداخلة كان منهجيا ومنظما ومركزا بشكل كبير فالمداخلة تعتبر الهجوم على المخالفين واجب شرعي وأصل من أصول العقيدة والمخالفون من وجهة نظرهم كل من ليس على منهجهم ..ويبدو أن شراسة الهجوم نبعت من كون الدعاة الجدد سرعان ما انتشروا في الاوساط الشعبية وعرفهم الناس وأصبحوا نجوما للفضائيات في حين ظل رموز المداخلة في الظل غير معروفين الا في بعض الأوساط السلفية ومن اللافت أن المتابع لخطابات المداخلة التي تهاجم الدعاة الجدد تركز على أنهم من "الرويبضة " وهو مصطلع ورد في حديث نبوي شريف أشار فيه النبي(ص) إلا أنه سيأتي على أمته زمان يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق وينطق فيها الرويبضة وعندما سأله أصحابه عن معنى المصطلح قال :التافة يتكلم في شأن العامة ..فمعظم الدعاة الجدد لا يمتلكون ناصية العلم الشرعي والذي كثيرا ما يدعي المداخلة أنهم يمتلكوه
فمحمد سعيد رسلان كان عندما يتحدث عن عمرو خالد لا يلقبه الا بالداعية "الفاشخ فمه دائما أو الداعية المفشوخ فمه دائما" ومن ضمن ماقاله : أن عمرو خالد يدعي أنه على خطى الحبيب – اشارة الى برنامج خالد الرمضاني – والحبيب منه بريء ثم يستشهد رسلان بما نسبه الى خالد بأنه قال" ماتت خديجة رضوان الله عليها في حضن رسول الله ومات الرسول في حضن عائشة فلم يمت النبي (ص) وهو يتلوا القرآن ولم يمت مجاهدا في سبيل الله أو هو ساجدا إنما مات (ص) في حضن عايشة هكذا ترون أن بيت النبي (ص) أحضان في أحضان أمثل هذا يقال في حق النبي (ص) ؟" أعتبر رسلان أن مثل هذا القول من خالد ضلال مبين .(37)
وصل الحد في الهجوم على خالد بأن طلب أحد مشايخ المداخلة محمود لطفي عامر في مقال له نشر على موقعه الرسمي وفي جريدة روز اليوسف المحسوبة على النظام الحاكم في مصر بأستتابة عمرو خالد وهو ما يعني اتهامه بالردة لكن عامر استدرك في مقاله وقال أنه يقصد الاستتابة عن الجهل الذي يتصف به خالد وأن أكد على أن خالد قال كفرا لايعتقده خالد ودعا خالد أن يعلن توبته عما قاله وإلا حوكم أمام القضاء كما دعا اتباع خالد عن الانفضاض من حوله والا أثموا إن شايعوا مبتدعا جاهلا سب النبي (ص) وطعن في نبوته ...أما ماجعل يتهم عمرو بأنه نطق كفرا فلأنه قال أن النبي (ص) مر بستة وعشرين محاولة فشلوا كلهم وبأن النبي كان "يهزر " مع النساء وأن الدين ليس مثاليا بل تجربة بشرية . (38)


____________________________________________________________
(1) خطبة للشيخ عبدالعزيز الريس منشورة على موقعه الشخصي
(2) من خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " فتنة العمل الجماعي " وأخرى بعنوان "اتقوا الله في مصر"ومنشورة على موقعه الشخصي
(3) مقطع فيديو لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان "عن عدم جوزا الطعن في منصب المفتي "
(4) محاضرة لأسامة القوصي وسليم الهلالي بعنوان "من معالم المنهج السلفي " ومنشورة على موقع القوصي الشخصي
(5) مقال ليحيى بن يحيى الحدادي إمام وخطيب جامع عائشة بنت أبي بكر بالرياض ومنشورة على شبكة سحاب السلفية على الانترنت
(6) مقال لكاتب مجهول مرفوع على عدد من المواقع والمنتديات السلفية
(7) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " نظرة الاخوان في منهج الاخوان " ومنشورة على موقعه الشخصي
(8) مقطع لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان " عن الاخوان المسلمين والاغتيالات "
(9) كتاب لمحمود عامر بعنوان تنبيه الغافلين بحقيقة فكر الاخوان المسلمين " ومنشور على موقعه الشخصي
(10) خطبة بعنوان " سؤالات الى الاخوان المسلمين " لمحمد سعيد رسلان منشورة على موقعه الشخصي
(11) مقطع فيديو على يوتيوب لمحمد سعيد رسلان بعنوان " إفحام الاخوان المسلمين "
(12) المصدر السابق
(13) خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " الشعارات وحدها لا تكفي " ومنشورة على موقعه الشخصي
(14) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان "حكم الاضرابات والاعتصامات " ومنشورة على موقعه الشخصي
(15) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " لاتعبثوا بأمن البلد " ومنشورة على موقعه الشخصي
(16) المصدر السابق
(17) المصدر السابق
(18) تصريحات لمحمود لطفي عامر لموقع "العربية نت "
(19) المصدر السابق
(20) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " توريث مبارك للحكم جائز شرعا " ومنشور على موقعه الشخصي وعدد من المواقع السلفية
(21) المصدر السابق
(22) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "المقاطعة بين التهييج والتشريع " منشور على موقعه الشخصي
(23) المصدر السابق
(24) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان "عن الصلح مع اسرائيل "
(25) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان" عن الجهاد والجيش "
(26) مقطع فيديو لأسامة القوصي على يوتيوب بعنوان "عن وصول حماس للسلطة "
(27) من خطبة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " أهل غزة أدرى بقتلاها " ومنشورة على موقعه الشخصي
(28) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " ليس بالحماس وحده تعيش حماس " ومنشور على موقعه الشخصي
(29) مقطع فيديو على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان " عن الصلح مع اسرائيل "
(30) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " تصدير الغاز لاسرائيل جائز شرعا " ومنشور على موقعه الشخصي
(31) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " لاتعبثوا بأمن البلد " ومنشورة على موقعه الشخصي
(32) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "وقفات حاسمة مع محمد إسماعيل المقدم ومحمد حسان ومحمد حسين يعقوب "
(33) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " محمد حسان يجدد فكر سيد قطب بصبغة سلفية "ومنشور على موقعه الشخصي
(34) مقطع على يوتيوب لأسامة القوصي بعنوان " أسامة القوصي يترحم على سيد قطب وحسن البنا "
(35) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "الآثار الاجرامية لفكر سيد قطب " ومنشور على موقعه الشخصي
(36) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان "حقيقة سيد قطب " ومنشور على موقعه الشخصي
(37) محاضرة لمحمد سعيد رسلان بعنوان " سؤالات الى الاخوان المسلمين " ومنشورة على موقعه الشخصي
(38) مقال لمحمود لطفي عامر بعنوان " استتابة عمر خالد " ومنشور على موقعه الشخصي

الجمعة، يونيو 03، 2011

وقفة مع النفس




بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..أما بعد

أدين لله سبحانه وتعالى بالفضل والمنة على نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير ...تلك الثورة المجيدة التى غيرت مفاهيم وثوابت ظلت راسخة وجامدة لعقود طويلة ... وكم سعدنا بتبوأ الحركات الاسلامية وفى القلب منهم الاخوان المسلمين لصدارة المشهد الشعبى ...يلزم لضمان تفوق وبزوغ شمس الدعوة التى لا تنقطع بحماية الله عز وجل ان تتطور وتتكيف الحركة الاسلامية مع المتغيرات من حولها وان تسير بخطى سريعة وواثقة نحو أقصى درجات العلانية والشفافية والوضوح حتى تنال رضا الله عزوجل ثم رضا عامة الناس ...

أؤمن ايماناً عميقاً بوجوب تقبل النقد الذاتى والخارجى للتيارات الاسلامية واهمها واكبرها بالطبع (الاخوان المسلمين) وفى سبيل ما اؤمن به - حسب زعمى وفهمى القاصر- لم اتورع عن نقد مالا اراه صالحاً تنيظمياً وفكرياً ومجتمعياً فى تياراتنا الاسلامية بكل وضوح وحرص على رسوخ الفكر الوسطى المعتدل الذى أراه السبيل الوحيد لضمان نجاح الفكرة الاسلامية عملياً...فلا ارى القرارات السياسية المصيرية تنحصر فى الفهم الضيق وهو الصواب والخطأ بل اراه يتجاوز ذلك بمراحل إلى صواب واصوب , صحيح وأصح فما ارتكز إليه اليوم قد يتغير بعد شهور فالسياسة فن الممكن ,, فكم نقدت وبينت مالا يرضينى وآمنت النقد الذاتى فالأولى ان اطبق ذلك على نفسى ولا آمر الناس بالبر وأنسى نفسى الضعيفة المتخاذلة كثيراً ...

نعم أومن بان الخلاف الفكرى مصدر قوة والهام وتنوع وثراء داخل الحركة الاسلامية وخارجها وليس عامل هدم وفرقة وتجريف للتربة الخصبة الصالحة لزراعة الدعوة الصحيحة ولا ينبغى التخويف والتخوين والتشوية المتعمد واتهام المخالف بالسوء وانه سيساعد فى انهيار الجماعة لكنى لم افصل بين امور تخص وتفيد المجتمع وامور داخلية بحته كتعديل اللوائح وخروج بعض الاشخاص من تنظيم الاخوان ...

نعم أؤمن بأن الاخوان مفخرة لمصر قبل ان يكونوا مفخرة لأنفسهم وملك لجميع المصرين لانهم جماعة مجتمعية بامتياز ودون منافس ويندرج تحت فكرهم ملايين المصرين _ واحسب نفسى احدهم - لكن أحياناً بفعل المد الثورى وحماس الشباب وتسرعه - بل ولا اخفيها - واندفاعه وتهوره لم احسن اختيار الوقت الملائم ولا العبارات الدقيقة ولا الاشخاص المناسبين لعرض بضاعتى الثورية الاصلاحية بالشكل الملائم وتسويقها بالكيفية الصحيحة حتى يقبل عليها المستهلكين صانعى القرارت ....

مازلت أؤمن بأننا قبل الثورة وفى سنين المحن والابتلاءات - لا أعادها الله الينا ابداً - قد نضع الاعذار ونسوق المبرارت لحماية الفكرة الاسلامية من المحو والضياع ولكن بعد انتهاء العهد البائد ونظامة القمعى اصبحنا فى ملعب مفتوح والجمهور هو الفيصل والحكم فى نجاح فكرتنا ام لا فلا سبيل الا المصارحة والشفافية والانفتاح ومحاولة تجميع المصريين على المبادىء والقيم والمشروعات التى نتفق عليها بكل ميولنا (الاسلامية - القومية - اليسارية - الليبرالية ) دون تهميش احد او اقصاء فكر او تخوين او تعالى ... ولكن حدث تغول من الفكر الليبرالى بعد هزيمته هزيمة ساحقة من المصريين ومحاولته محو التيار الاسلامى وبخاصة الاخوان بكل السبل وبكل وقاحة والتفاف على إرادة الشعب المصرى فى الاستفتاء ..فهم فى الليل فى برامج "التوك شو" يغردون باختيار راى الناس وارتضاء الديمقراطية سبيل وحيد لادارة الحياة السياسية وفى النهار يطالبون بمجلس رئاسى ..الدستور أولاً .. تأجيل الانتخابات البرلمانية ..الخ .. ويبدو ان كلام الليل مدهون بالزبد اذا جاء النهار ساح ...

لكل هذا لم ولن اسمح لقلمى ان يكون خنجر موجه لاحبابى وتاج رأسى وان يستفيد به دعاة الفتنة وابواق العلمانية الشريدة والشيوعية الرخيصة والقومية البائدة ...لا يا سادة فهما اختلفنا فى امور فهى شوائب بسيطة او بالاحرى امور لا تكاد تذكر فهم اناس احسبهم على خير والله حسيبهم ونعالهم فوق رأسى ...لهذا بيدى لا بيد عمرو أتوقف قليلاً كاستراحة محارب حتى أدقق فى عباراتى واختار الوقت والمكان الملائمين بكل رقة وادب وحنية على فكرتى التى آمنت بها ولا ازال ...اعتذر بكل وضوح لكل من سائهم كلامى من الاخوان واقبل اعتذار من اساء الى منهم واقدر حرصه وحبه لجماعته ..فالوقت الان وقت بناء لا وقت تنظير ... ولا انس ان اعتذر بكل وضوح عن قصر نظرى وعدم وضوح الافق السياسى لدى فى مناشدة الاخوان بمقاطعة انتخابات مجلس 2010 فهى والله شرارة كبيرة من الشرارت التى الهبت الثورة المصرية وأعطتها الزخم الشعبى المأمول ...عذراً يا سادة ..أخطأت واصابت الجماعة ولا اتورع ان اقولها بكل صراحة ... كان راى غير موفق وغير سديد ...ونحن تعلمنا ان ندور فى فلك الحق اينما دار ..

وكلمة اخيرة للشباب :- إياكم والتفتيش فى النوايا والتنقيب فى الضمائر واقامة محاكم التفتيش لاصحاب الرأى والفكر ..خذوا منهم ما يفيدكم _ مهما كان فكره _ واتركوا بكل حب وود مالا تروه مفيد وغير صحيح ..أقدر حبكم وتمسككم بدعوتكم ومدرستكم الوسطية ولكن احذروا ان تتمسكوا باشخاص فالاشخاص زائلون والاهم ما يسطرون ...التمسك بالفكرة اولى واهم ....

ورحم الله امرىء اهدى الى عيوبى...



الأحد، مايو 15، 2011

نسيم الحرية للمنفلوطى


الحـــــــــريــــــــــــــــة

مصطفى لطفي المنفلوطي (ت: 1342هـ -1924م)
استيقظت فجر يوم من الأيام على صوت هرَّة تموء [المواء: صوت الهرة] بجانب فراشي وتتمسح بي، وتلح في ذلك إلحاحاً غريباً، فرابني أمرها، وأهمني همها، وقلت: لعلها جائعة. فنهضت، وأحضرت لها طعاماً فعافته، وانصرفت عنه، فقلت: لعلها ظمآنة. فأرشدتها إلى الماء فلم تحفل به، وأنشأت تنظر إليَّ نظرات تنطق بما تشتمل عليها نفسي من الآلام والأحزان؛ فأثَّر في نفسي منظرها تأثيراً شديداً، حتى تمنيت أن لو كنتُ سليمانَ أفهم لغة الحيوان؛ لأعرف حاجتها، وأفرج كربتها، وكان باب الغرفة مُرْتَجاً [أي: مقفلاً]، فرأيت أنها تطيل النظر إليه، وتلتصق بي كلما رأتني أتجه نحوه، فأدركت غرضها وعرفت أنها تريد أن أفتح لها الباب، فأسرعت بفتحه، فما وقع نظرها على الفضاء، ورأت وجه السماء، حتى استحالت حالتها من حزن وهمٍّ إلى غبطة وسرور، وانطلقت تعدو في سبيلها، فعدت إلى فراشي وأسلمت رأسي إلى يدي، وأنشأت أفكر في أمر هذه الهرة، وأعجب لشأنها وأقول: ليت شعري هل تفهم هذه الهرة معنى الحرية؛ فهي تحزن لفقدانها، وتفرح بلقياها؟ أجل، إنها تفهم معنى الحرية حق الفهم، وما كان حزنها وبكاؤها وإمساكها عن الطعام والشراب إلا من أجلها، وما كان تضرُّعها ورجاؤها وتمسحها وإلحاحها إلا سعياً وراء بلوغها.
وهنا ذكرت أن كثيراً من أسرى الاستبداد من بني الإنسان لا يشعرون بما تشعر به الهرة المحبوسة في الغرفة، والوحش المعتقل في القفص، والطير المقصوص الجناح من ألم الأسر وشقائه، بل ربما كان بينهم من يفكر في وجهة الخلاص، أو يتلمس السبيل إلى النجاة مما هو فيه، بل ربما كان بينهم من يتمنى البقاء في هذا السجن، ويأنس به، ويتلذذ بآلامه وأسقامه.
من أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها: أن يكون الحيوان الأعجم أوسع ميداناً في الحرية من الحيوان الناطق، فهل كان نطقُه شؤماً عليه وعلى سعادته؟ وهل يجمل به أن يتمنى الخرس والبله ليكون سعيداً بحريته ...؟!
يحلق الطير في الجو، ويسبح السمك في البحر، ويهيم الوحش في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهين المحبسين: محبس نفسه، ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد.
صنع الإنسان القوي للإنسان الضعيف سلاسل وأغلالاً، وسماها تارة ناموساً وأخرى قانوناً؛ ليظلمه باسم العدل، ويسلب منه جوهرة حريته باسم الناموس والنظام.
صنع له هذه الآلة المخيفة، وتركه قلقاً حذراً، مروع القلب، مرتعد الفرائص، يقيم من نفسه على نفسه حراساً تراقب حركات يديه، وخطوات رجليه، وحركات لسانه، وخطرات وهمه وخياله؛ لينجو من عقاب المستبد، ويتخلص من تعذيبه، فويل له ما أكثر جهله! وويح له ما أشد حمقه! وهل يوجد في الدنيا عذاب أكبر من العذاب الذي يعالجه؟ أو سجن أضيق من السجن الذي هو فيه؟
ليست جناية المستبد على أسيره أنه سلبه حريته، بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه، فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية، ولا يذرف دمعة واحدة عليها.....
كان يأكل ويشرب كل ما تشتهيه نفسه وما يلتئم مع طبيعته، فحالوا بينه وبين ذلك، وملؤوا قلبه خوفاً من المرض أو الموت، وأبوا أن يأكل أو يشرب إلا كما يريد الطبيب، وأن يقوم أو يقعد أو يمشي أو يقف أو يتحرك أو يسكن إلا كما تقضي به قوانين العادات والمصطلحات.
لا سبيل إلى السعادة في الحياة، إلا إذا عاش الإنسان فيها حرًّا مطلقاً، لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطر إلا أدب النفس.
الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم، وآخرها بظلمة القبر.
الحرية هي الحياة، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة اللُّعب المتحركة في أيدي الأطفال بحركة صناعية.
ليست الحرية في تاريخ الإنسان حادثاً جديداً، أو طارئاً غريباً، وإنما هي فطرته التي فُطر عليها ...
إن الإنسان الذي يمدّ يديه لطلب الحرية ليس بمتسوِّل ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقًّا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا منة لمخلوق عليه، ولا يد لأحد عنده.
المصدر: كتاب (مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الكاملة، دار الجيل- بيروت، 1404هـ، 1984م، (1/127) بتصرف।