لاشك أن طبيعة التكوين الثقافى للعقل
العربي (والعقل المصرى جزء منه ) تميل لاحتكار الحقيقة والاستئثار بها
نتيجة عقود من التجريف الثقافى المتواصلة وسيادة بروباجندا تعلى من قيم
الشيفونية والانتصارات الزائفة (بدءاً من صيحات الاذاعى المخضرم " أحمد
سعيد " فى صوت العرب معلناً اسقاط وتدمير ترسانة العدو وليس أخيراً بالصحاف
العراقى وغيره الكثير ***
واهم من يعتقد أن هذه الحقبة البائسة
انتهت فالنظم السياسية فى دول العالم الثالث تعتاش على تقسيم الناس لموالين
وصالحين هم اتباعها وجنودها وهم الدببة التى تقتل صاحبها وبين معارضين
خونة أصحاب أجندات فلا مكان لناصح أمين فى أتون المعارك الوهمية التى لا
تنتهى رغم ان أكبر معركة هى الانتاج والتعمير وتطبيق العدالة الاجتماعية
والمساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات وصون كرامتهم هو لب النظم
الديمقراطية وواجب الوقت
***
فعلى عقلاء الوطن أن يوأدوا (المكارثية
المصرية ) التى تزدهر بقوة هذه الايام فقد أنشاها السيناتور الأمريكى "
جوزيف مكارثى" وامتدت لعشر سنوات فقط من عام 1940 م وحتى 1950 م فقد اتهموا
كل من يختلف معهم بالعمالة للشيوعية وهم من العلماء والشعراء والكتاب
والروائيين والفنانين العظام مثل شارلى شابلن، وبريتولد بريخت، وآرثر ميلر،
وجريجورى بيك، وهمفرى بوجارت، وفرانك سيناترا، وجيمس ستيوارت، وجين كيلى،
وريتا هيورث، وآفا جاردنر، ودانى كاى، وغيرهم! ونعتهم بالانقياد للعدو
الأزلى للولايات المتحدة وهو الاتحاد السوفيتى فأعدوا قوائم لكل من ينادى
بالاصلاح ورفع المظالم توصمهم بالخيانة والعمالة للفكر الشيوعى الأحمر! .
وراح ضحيتها أكثر من مائتي شخص تم الزج
بهم في السجون، فضلا عما يزيد على 10 آلاف تم طردهم من وظائفهم والتنكيل
بهم وفق تهم ملفقة ومن هؤلاء مارتن لوثر كينغ وألبرت أينشتاين وآرثر ميللر
وتشارلى تشابلن
فقد دلسوا على الشعب الامريكى وجعلوا
(الوطنية) والوطن شماعة لنشر أفكارهم، فمن يؤمن بجميع أفكارهم هو وطني، ومن
يختلف معهم هو دون شك عميل وخائن! اكتشف المجتمع الأمريكي خطورة الظاهرة
لأنها كانت تقوده للفشل والانغلاق بل والاحتراب الأهلي، وسريعا وأدها. !
بل جرت محاكمة جوزف مكارثى أيضا بتهمة التزوير والفساد فانتهى مدمنا على تعاطى المخدرات ومات وهو لم يبلغ بعد عتبة الخمسين عاما.
***
انتشر فى مصر تيار يوزع صكوك الوطنية
بهواه وينعت الرأى الآخر بالعمالة والخيانة ولا مانع بالاتهامات المعلبة
بالانتماء للإخوان (حتى لو كان يساريا قحاً أو مسيحياً حتى)
تحولت هذه الدوغما المسمومة إلى حالةٍ
من الإرهاب الفكري، شملت كل مخالف، حتى لو كان الاختلاف مبنياً على أساسٍ
واقعي، أو سندٍ قانوني، فالانتهاكات والتهديدات واجب وطنى إذا ما أبدى صاحب
رأي أو فكر أي رفضٍ لِما يدور حوله ، بينما وصل بعضهم حد المطالبة
بالإعدامات والمناداة بالتطهير والمحاكمة العسكرية لكل من يغرد خارج السرب
أو يطالب بحقوق الأطباء فى حماية كاملة لهم ودعم لوجيستى وشعبى لهم كخط
دفاع أول فى مواجهة عدو قاتل وفيرس لعين !
.***
يقول الكاتب الفرنسي “جوستاف لوبون” في
كتاب (سيكولوجية الجماهير): “أما الذين لا يُشاطرون الجماهير إعجابهم
بكلام الزعيم يعتبرونهم هُم الأعداء”، منطق جماهيري قديم لا يعرف غير
الولاء المطلق للحاكم، ووَصْم كل مخالف لسياسته بالخيانة وعدم الوطنية، إن
حرية الرأي ليست جريمة، والاختلاف في الرؤى والمواقف ليست دليل خيانة، بل
إن الخيانة الحقيقية هي تجميل الفساد، وتبرير العدوان، والتنكّر لِما يَمُر
به الوطن من أزماتٍ طاحنة وتضيق في الحريات، تحت ذرائع واهية، فالأنظمة
المستبدّة تتفنّن في صناعة عدوٍ لها من أجل البقاء في شرعيتها الزائفة،
والحفاظ على تماسكها والسيطرة على الجماهير، ويساعدهم في ذلك كافة الشرائح
من كافة المجالات
***
لم يعلم هؤلاء الموتورون أن الإساءة
للوطن الحقيقية أن تسمح لرأي واحد فقط! الإساءة الحقيقية للوطن أن تفقد
الأصوات المحبة لتراب هذا الوطن! في وطننا الإساءة الحقيقية أن يعود
الاتحاد الاشتراكى مرة أخرى كمنبر وحيد للتعبير عن الآراء وما عداه فهو
عميل ! الاساءة الحقيقية للوطن أن تتكرر الهزائم والنكسات فى المجالات
العسكرية والطبية والمجتمعية والاقتصادية نتيجة غياب الشفافية وانعدادم
المحاسبة وسيادة ثقافة القطيع فى التهليل والتطبيل والتعريض منذ عهد عبد
الناصر وحتى يقضى الله أمراً كان مفعولاً ...
***
فالعقلية الاحادية (المكارثية) مقابل
العقلية النقدية لا تقل خطورة عن الفكر التكفيرى الداعشي فهما وجهان قبيحان
لعملة واحدة لو كنتم تعقلون .
**************************
الغلاف لمجلة هزلية يتحدث عن شبح سيادة الشيوعية في الولايات المتحدة وانتشار الخوف والفزع بين الناس من نيران الشيوعية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق