الأسطورة والتراث .. في فكر سيد القمني
بقلم / أحمد خليفة
صحفي حر ، مختص بالتيار الديني المعاصر
قرأت الكثير من وعن مشروع القمني ولا أبالغ إن زعمت أن ذلك منذ عشرين عاماً تقريباً وقد ناقشت خلالها مع غيري ومع المثقفين أطروحاته قبل ظهور ثورة مواقع التواصل والفضاء الأزرق وليس الهدف هو الشماتة في الموت أو الاجهاز على ميت لا يستطيع الذب عن نفسه وشرفه العلمي وقد أليت الصمت في هيبة الموت والسكوت فى جلال الفقد لولا منصات التنوير الفجائية التي اشتعلت بفقدان رائد التنوير وراهب العقلانية ورمز المعتزلة الجدد (وهو ما نبين عوار هذا الفقر الفكري هنا) و بعيداً عن الانشغال بمآله ومصيره مما لا يعنينا ولا يفيد الحقل الثقافي وبالتجاوز عن صفاته الشخصية التى تميل للإثارة والفبركة وادعاء البطولة والشجاعة بينما الاشتباك الفكري مع طرحه أولي وأفيد لمعرفة كينونة كتاباته ومدى ثرائها من ضحالتها مع التغاضي عن سوقيته وفحشه الذي يشبه جلسات المصاطب و" الغرز" !
: ضياع منهجية البحث العلمي لدى القمني
نظرة سريعة على منهجه المادي الأسطوري الذى لا يؤمن فيه بغيبيات أو يقينيات نجد أنه: :
اتبع -حسب تعريف أنصاره- ما سماه [المنهج المادي التاريخي] و[المنهج الرياضي] في أبحاثه ودراساته، مع حشد المادة التي تتناسب والمنهجين معًا، وتصنيفها وتبويبها لتتلاءم مع الخطة والمنهجين، لتصبح نشازاً متفردًا بذاته تفرد به القمني في جل أعماله البحثية.
فهو يقتنع ثم يستدل وليس العكس !!
وفي هذا الصدد يقول القمني: “
فمنهج الاستدلال الرياضي يبدأ بفرض الفروض لحل المشكلة الماثلة أمام الباحث، ومن ثم يأخذ بجمع المادة العلمية المتعلقة بهذه المشكلة بالذات من مصادرها ومراجعها لتشكل له مادة خام يدعم بها فروضه، ويستخدمها أيضًا كقرائن وبراهين على وجهة نظره التي يريد أن يصل إليها في البرهان، وهو عادة المنهج الذي استخدمه كأسلوب عرض للمادة المجموعة وإعادة ترتيب عناصرها حسب الأهداف المرصودة، ثم أعمد إلى المنهج المادي التاريخي الذي استخدمه كأسلوب عمل وفحص لمكونات النص وعلاقته بزمنه وبيئته واقتصاده وشكله المجتمعي ونطاقه السياسي .. إلخ، ثم أعمد إلى تفسير النصوص لتنطق بالمخفي وراءها من أحداث حدثت في واقع الأرض، وبعد حشد المادة يتم تصنيفها وترتيبها ليلحق كل منها بالأبواب المرصودة في خطة البحث” مقالة مطولة "للدكتور" سيد القمني بعنوان [درس في البحث العلمي وأخلاقياته] الحوار المتمدن – العدد: 2855 – 11/12/2009.!!.واعتبر القمني أن القرآن هو أكثر من مجرد كتاب ديني، وأنه يحق له دراسته من {منظور تاريخي}، باستخدام المعايير العلمية المستخدمة في اختصاصات أخرى . وأن هناك بعدان للقرآن، البعد الأول حقائق تتعامل مع أحداث تاريخية حدثت في التاريخ الإسلامي مثل غزوة بدر ومعركة أُحد وصراع اليهود مع المسلمين في يثرب وغيرها من الأحداث. وهناك بالإضافة إلى هذا الجانب التاريخي جانب روحي وميثولوجي {أسطوري} لم يحدث بصورة عملية فيزيائية وإنما يمكن اعتباره رموز وليس حقائق تاريخية،!! ، وأخيراً يرى القمني أن القرآن يجسد نصًا تاريخيًا ولا ضير من وضعه موضع مساءلة إصلاحية نقدية وإن هذا النقد الإصلاحي لا يمثل ردة أو استخفافًا بالقرآن حسب زعمه بل هو يراه: “اقتحامًا جريئًا وفذًا لإنارة منطقة حرص من سبقوه على أن تظل معتمة وبداية لثورة ثقافية تستلهم وتطور التراث العقلاني في الثقافة العربية الإسلامية ليلائم الإسلام احتياجات الثورة القادمة”. !! فالرجل يرى نفسه مارتن لوثر الدين الإسلامي بأدوات باليه وقدرات محدودة إن لم تكن معدومة
. *** **** ***** ******
وهذا ما يفسر سبب غضب وألم الكثيرين من طرحه الجاف الخشن الذى يصل للبذاءة والتسفل وهو بغريب على قاعات العلم وندوات الرأي والفكر ، فأنى له من رقى الجابري و فكر فؤاد زكريا و اجتهاد نصر حامد وثراء حسن حنفي ، فهؤلاء تختلف معهم ولكن تحترم عقولهم وطرحهم العلمي النبيل ، أما حاطب الليل فلا قيمة لتشغيباته الساذجة التي تنم عن هوس مرضي ، بل لا علم أو دراية ولا حتى تأدب ، ولا حاجة لأدعياء الحداثة والتنوير لاصباغ ثوب البطولة والقداسة على الأفاقين مزوري التاريخ بل ورسالة الدكتوراه ذاتها ( وقد اعترف بذلك فى مقالته الشهيرة رحلتي العلمية ) فهذا مما يخصم من رصيد مستقبل الثقافة فى مصر ويُعري سوءة التيار المدني ويجعله بلا رواد أو آباء عظام حتى انحدر بهم الحال للتواري خلف خيالات أحمد عبده ماهر وأوهام خالد منتصر وبذاءات القمني وتقية أحمد سعد زايد كتنوير عقلاني معاصر لا يقدم مشروعاً نهضوياً شاملاً ولا يجابه استبداد ، فقط يخاصم الأمة في هويتها ويعاديها في ثوابتها وقيمها ودستورها بدلاً من نشر رايات الحرية والديمقراطية والدفاع عن حقوق المهمشين وتطبيق العدالة الاجتماعية الغائبة للبروليتاريا الكادحة .. ، . .
…
*** **** ***
ومن سمات كتابات سيد القمني::
1. اجتزاء النصوص من سياقها اللغوي والتاريخي لتعبر عن حكم قطعي، على الرغم من أن هذه النصوص هي واحدة من روايات واجتهادات مثبتة تاريخيا، كما في حالة زواج الرسول عليه الصلاة والسلام من السيدة خديجة، والتي حاول قسرها على تفسير مضلل.
2. أنه اقترف عدة مغالطات تاريخية عندما اعتبر بتأثر القرآن بشعر أمية بن أبي الصلت، وهذا ما يخالف ما أثبته المؤلف تحليليا من أنه لا علاقة بين شعر أمية والقرآن.
3. أن هذه الكتابات كانت تستهدف أساسا تقويض أركان وقواعد أصول الفقه توطئة لإثبات انتهازية الإسلام وتناقض نصوصه في مواقفه من الآخر وقبوله بالتعددية، ولكنها (الكتابات) ارتكبت أخطاء منهجية عندما أهدرت الترتيب التاريخي لنزول القرآن لدى محاولاتها توثيق الخلاصات والاستنتاجات.
يثبت الباحث منصور أبو شافعي كما يثبت الأستاذ الدكتور إبراهيم عوض تورط القمني في أحط وأخس ما يمكن أن يقع فيه كاتب. لأنه يذكر الواقعة واسم المرجع فإذا رجعت إلى المرجع وجدته قد اختلق الواقعة أو غيرها. كما أنه بخسة فكرية لا تبارى يذكر من الروايات ما يؤيد تحيزاته واستنتاجاته ويهمل ما يهدم تخريفه. من ذلك ادعاءه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج "الأرملة الثرية" خديجة بنت خويلد" بعد خداع والدها وتغييبه عن الوعي (بالخمر) لانتزاع موافقته التي تنكر لها بمجرد استيقاظه. ووصل الأمر بالأب إلى حد التظاهر ضد هذا الزواج في شوارع مكة. وينسب الكذاب الواقعة للبداية والنهاية لابن كثير. فإذا رجعت له اكتشفت وفاة والد السيدة خديجة رضي الله عنها قبل زواجها من الرسول صلى الله عليه وسلم بأعوام خمسة!!
وفى الختام "الرجل" بين يديُ ربه وقد أفضي إلي ما قدم . فالله حسيبه ومآله لن يؤثر فينا ولا يعنينا ، ولكنه كشخصية عامة كتبه وأفكاره بين أيدينا حيّة إلى يوم الدين نقاشها أولى ونقد مشروعه وتبيان تدليسه وارتزاقه سُنه حسنة وحسنة جارية نطُهر بها ساحتنا الثقافية التى أصبح بعض نجومها "حلانجية" لا رواد تنوير وحداثة! فقد ولّي زمن السجالات الفكرية مع قامات مدنية شامخة مثل (أركون وأسد والجابري وحسن حنفى) وأصبحنا فى زمن مثقفي "المارينز" و بهلونات الحظيرة.
رحم
الله اليسار المصري النبيل ورموزه الخالدة : محمود أمين العالم وأحمد نبيل الهلالي
وأحمد عبد الله رزه
*******************************
(خاص لموقع العربي اليوم ،،
نشر هنا
https://elarabielyoum.com/show670462
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق