الاثنين، مايو 11، 2015

وقفه منهجية مع كُتيب " الردّة عن الحريّة " 2-2

مآخذ منهجية على الوثيقة التربوية :

 من الأخطاء المتكررة لأبناء الحركة الإسلامية تاريخياً : رواية الحدث بعين المريد المفرط الحب لا الباحث المدقق مما يؤدى لتكرار الأخطاء بالكربون ووأد أى نيه للمراجعة بداعى الظروف المحيطة وتكالب العدا وشرف الخصومة يقتضى تأجيل أو عدم النهش فى المسجونين .. يضاف إلى ذلك الافراط التربوى فى تشكيل الوعى الجمعى بالأسلوب التربوى التجييشى المفعم بالشحن العاطفى النبيل على الأسلوب التربوى البشرى الناقد الغير معصوم والذى يراجع نفسه أول بأول
يقول د- ماجد رمضان فى رؤيته النقدية لكتيب الردة عن الحرية :
"وإن ما يمنع أبناء الحركة الإسلامية من تقييم المسارات بموضوعية والتعامل بتسامح مع وجهات النظر المخالفة أمران أحدهما :
1- الخلط أحياناً بين النموذج الإسلامى المعصوم والمقاربة البشرية فى فهمه وتنزيله ، وتصور أن التجربة التاريخية والمعاصرة لأى جماعة إسلامية اجتهاد محمود وصواب دائم وهو خلل أصولى وتربوى وحركى :
-خلل أصولى : لانة يفترض الصواب المطلق إلا فى المقطوع به
- خلل تربوى : لانه تزكية للذات الفردية والجماعية بالمعنى السلبى ويغيب عنها عُرف القسط ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا(135)  
( سورة النساء )
- خلل حركى : لأن الحركة التى يغيب عنها عُرف النقد والمراجعة تقع فى الجُحر مائة مرة ..
وأن استثارة العاطفة بدلاً من الفِكر هى طريقة تقليدية تستخدم لتعطيل التحليل المنطق ومناهج البحث الاجتماعية وبالتالى الحس النقدى للأفراد" (بتصرف بسيط)

 لا يفتأ الإسلاميون من رمى  خصومهم بتشويه صورتهم في وسائل الإعلام – وهو حق - ، ولكن  الراشد ومن خلال هذه الوثيقة يمارس الدور نفسه، فيلغي أي صفة معارضة نبيلة  لخصوم الإخوان على الساحة المصريّة ويجعلهم حصراً من المتآمرين عليهم والشيوعيين والملاحدة والصليبيين  أو من المشاركين في المؤامرة بدعم وتمويل خارجيَّين.وبالقطع الأيادى التى ساهمت بحسن نية أو بسوئها قد تم خداعها – ولا ريب أن نعترف أننا كنا منهم – ولكن التعميم إخلال للحق وانتصار للعاطفة.

كما يبتعد الداعية  كثيرا ً في توصيف مشهد الانقلاب في مصر عن النواحي السياسيّة والحزبيّة فيصوّر الأمر كما لو كان معركة فاصلة بين الإسلام والكفر وبين الحقّ والباطل. وهذا مستوى كان الإسلاميّون قد أوشكوا على التخلّي عنه، واقتربوا أكثر فأكثر من معالجة خلافاتهم السياسيّة بمنطق المصالح والعلاقات المتبادلة. لكن اتساع رقعة المشاركين فى مظاهرات 30 يونيو والمطالبين بانتخابات رئاسية مبكرة ومفاجأة الحشد القوى جعلهم يلجأون إلى مثل هذه التوصيفات التى تثير العواطف وتشحذ الهمم وتساعد على التعبئة والهروب للأمام  ,مما يؤدى لصنم الثقة وتأجيل الحساب المتكرر بداعى عدم مناسبة الوقت !.
الموقف من الرجال جوهره تجاوز الحب والبغض والبعد عن الأحكام السماعية المسبقة فقد قال المفكر " الراشد "    من ص 52 : 62 متحدثاً عن "أبى الفتوح" نصاً (وقصة أبي الفتوح هي فصل في فقه الدعوة عنوانه: أن الله يحرس الدعوة إذا غفل الدعاة عن حراستها، فالموعظة فيها موجهة للدعاة ولا يكاد يفهمها من عامة الناس سوى القليل، وهي قصة عجيبة عندي فيها الدليل الكامل على أن عين الله تكلأ الدعوة وترعاها إذا كان الدعاة ضحية بعض البساطة ولا يجيدون فقه التوثيق والتضعيف ومفاد الجرح والتعديل، ويسترسلون مع العفوية وحسن الظن شِبرين زيادة. وذلك أن أبا الفتوح لم ينشأ مع الدعوة منذ شبابه الأول لتعجنه عجناً وتمحّضه تمحيضاً بالتربية العميقة، بل كان يعمل في الاتحادات الطلابية الإسلامية العامة، وهو نوع من النشاط عاطفي الأسلوب لا ينزل إلى القعر حيث مستوى التربية الزهدية والغوض في أعماق القرآن الكريم وموازينه) وبهذا الحُكم القاطع يكون قد حكم على جيل عبد المنعم أبو الفتوح وهم قادة التأسيس الثانى  بانهم ممن هبطوا بالبارشوت على التنظيم ولم يشفع لهم أنهم قادوا نواة العمل الطلابى الإسلامى وقت المحنة الثانية للجماعة حتى تم انضمام أغلبهم وأعادوا بناء الجماعة من جديد .
وفى ص 52 - حذفها فى الطبعة الثانية -يوغل فى الشخصنة وقذف المخالف فيقول نصاً : ( ولا ندرى إن كانت يده تلوثت بالدولار النفطى أم أنه قدمها خدمة مجانية ساذجة ولكن ندرى كما درى كل الناس أنهم أقصوه حين القسمة ولم يختاروه نائب رئيس أو وزير وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا أنهم فهموا أنهم عوضوه مالاً من قبل فعاد يولول غاضباً على الشِلة الإنقلابية) 


استدراك 2: -أننا أصحاب دعوة أيها الأخوة ،ولايجوز أن ننزل عن مستوى دعوتنا الرفيع إلى حضيض التراشق برديئ الكلام،ولايعذرنا الله إذا تركنا هذا المستوى العالي الذي أكرمنا الله به بحجة أن غيرنا جرنا إليه،.اللهم أغفر لنا وله وأهدنا وإياه ولا تجعل غضبنا لأنفسنا ،ولا في عملنا شيئا من أهوائنا .إحياء فقه الدعوة – محمد أحمد الراشد ص238


ورد فى ص 54-55 : ((هناك أقدار ربانية أقصت الأخ " خيرت الشاطر " وكال بعدها المديح والثناء الطاغى على الرجل 
والسؤال الذى يطرح نفسه كيف يكون منعه من الإنتخابات الرئاسية قدراً ربانياً واستمراره نائباً للمرشد بجدارة ولياقة تامة ؟ هل هذا السبب الذى منع من أجله لا يقدح فيه كنائب للمرشد ويقدح فيه كرئيس لأكبر دولة فى الشرق الأوسط ؟ وما ذكره من رواية سعى " الشاطر" لتأسيس شركة طيران خاصة لنقل خمسة مليون شيعى لزيارة الأماكن الفاطمية هو ذم للرجل من حيث أراد مدحه و يحتاج رد من أسرة المهندس الشاطر حتى لو ارجعه لحسن نيه وقد يفهمه بعض المتربصين على أنه غلبة للجانب الاستثمارى البراجماتى  المجرد على الجانب العقدى الأصولى  مع إيمانى بفرية " نشر التشيع " فى عهد الرئيس مرسى - فرج الله كربه هو وجميع المظلومين .

 وقد  تعمق بشدة فى ايمانه بنظرية المؤامرة الكونية – وهى من ثوابت الإسلاميين التقليديين فى التفكير على مر العصور – حتى أنه اكتشف فجأة أن حكام مصر منذ عبد الناصر وحتى عدلى منصور وزوجاتهم  – عدا الرئيس الملائكى مرسى – كما وصفه – بالقطع-  لهم صلات يهودية حاقدة على الإسلام وأهله والعجيب أنه يستند لكتابات مواقع التواصل الاجتماعى  أو ممن سماهم " الثقات " أو تسريبات قيادة مخلصة فى الجيش كتويثق ومنهج أكاديمى علمى يطالب بتدريسه !

و لم يذكر صفات ومقومات الرئيس مرسى – فرج الله عنه – الفريدة والتى بمقتضاها سماه الرئيس القرآنى ليقنع القارىء بفضلة ومناقبه سوى أنه اختيار ربانى وهو خطاب تعبوى تجييشى لا يستند للمنطق والعقل..

علمونا قديماً أنه ينبغى لطالب الحق أن يستدل ثم يعتقد لا أن يعتقد ثم يستدل لانه من اعتقد ثم استدل لوى عنق النصوص وبتر القرائن ليستدل بها على صحة اعتقاده بينما من يستدل ثم يعتقد لا يخالجه شك أنه توصل لنتيجة  دون انحياز مسبق

وختاماً أورد الكاتب خمسة عشر منفعة منحها الإنقلاب للدعوة وهو أمر تربوى متفهم لشحذ الهمم ودفع اليأس والإحباط للصف المكلوم ولكنه أغفل ذكر سلبيات الإنقلاب ( مجتمعياً – دعوياً – حضاريًا) ففى طيات هذه المنحة محنة كبرى للمجتمعات الإسلامية فى المنطقة والقرآن الكريم لم يجد حرجاً فى تناول محنة أحد فى التحليل والرصد وتصوير الأخطاء مع أنه محنة قاسية وشديدة الوطأة على النفس المسلمة لمخالفة أمر النبى صلى الله عليه وسلم والتكالب على الغنائم ومتاع الدنيا، والمحنة هنا والثواب عليها شىء آخر لأن الثواب مرتبط بالبذل والإخلاص والله أعلم به فيجب أن يتم الفصل بين الأمرين .

إن التفسير التآمرى للتاريخ والأحداث والوقائع يوقعنا فى لون من الجبرية السياسية التى تسلبنا القوة والحصافة وتعوقنا عن محاسبة أنفسنا واكتشاف عيوبنا ومعالجة أمراضنا بتوصيف الدواء الناجح لها ولن يكون هذا متاحاً طالما تصورنا أن كل قصور أو خطأ مرده إلى تخطيط ماكر ودهاء عدو وليس من عند أنفسنا مع أن المنهج القرآنى يعلمنا أن نرجع باللوم على أنفسنا ونراجع ذواتنا مع حدث فى غزة احد ( قل هو من عند انفسكم)  وتصدير كباش فداء لتبرير الأخطاء بداعى حسن النية والطيبة والاجتهاد سيؤدى لتكرار الأخطاء بالكربون طالما المنهل المنهجى واحد الذى يستقى مفردات الاستعلاء الايمانى والتمايز والتمحيص وهو ما صنع أعداء كثر للحركة الإسلامية برمتها وقدم خدمة جليلة لخصوم التيار الإسلامى للتوحد والاتحاد لأفشالهم وما تجربة " جبهة الإنقاذ" التى ضمت مشارب شتى من ( يسار - ليبراليين - علمانيين غلاة - قوميين) عنا ببعيد..

نقطة أخيرة تتبادر إلى الذهن عند تقديم هذه القراءة النقديّة لوثيقة الراشد، هي ما يقدّمه من صورة تفاؤليّة لمستقبل الأحداث فى مصر بصورة زاهية. وهو أمر لا يتّفق مع توقّعاته بإمكانيّة نجاح الانقلاب في مصر لبعض الوقت. ولأن جموع الإخوان المسلمين كانت قد اعتادت هذا الخطاب الديني المفرط في العامل الغيبي، فإن من شأن ذلك أن يساهم ربما في عدم استفاقتها من صدمتها التاريخيّة وأن يمنحها آمالاً ليس لها رصيد من الواقع السياسي أو فرصة للمراجعة وإصلاح المسار ، فالانقلاب-وعلى الرغم من حالة التعثّر السائدة-  مضى ببعض الخطى والجهود لتثبيت نفسه وترسيخ سلطته.واكتساب اعتراف دولى واسع به يلحظه المراقبين ..
ختمة :

لن تعرف خطأ (أستاذك - معلمك - شيخك - جماعتك - مذهبك) إلا إذا استمعت إلى رأى مخالف وحجة مضادة ، لا يغرنك الذى يقدم إليك قد يبدو قوياً ومقنعاً منافحاً عن الحق وأهله ولن يظهر به عيب أو استدراك أو مراجعة إلا أذا استمعت للوجهة الأخرى وأعقلتها بتأنى وتجرد وإنصاف وإلا ستدور فى حلقة مفرغة لسنى عديدة..

::المراجع ::

-الردة عن الحرية – محمد أحمد الراشد1-
2- رؤية نقدية لكتاب الردة عن الحرية – ماجد رمضان
1-                                                                   3- الإخوان المسلمون والانقلاب .. قراءة نقدية – عدنان أبو عامر – المونيتور

المصدر : بوابة العاصمة : http://al3asemanews.net/news/show/138843


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق