الجمعة، يونيو 03، 2011

وقفة مع النفس




بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ..أما بعد

أدين لله سبحانه وتعالى بالفضل والمنة على نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير ...تلك الثورة المجيدة التى غيرت مفاهيم وثوابت ظلت راسخة وجامدة لعقود طويلة ... وكم سعدنا بتبوأ الحركات الاسلامية وفى القلب منهم الاخوان المسلمين لصدارة المشهد الشعبى ...يلزم لضمان تفوق وبزوغ شمس الدعوة التى لا تنقطع بحماية الله عز وجل ان تتطور وتتكيف الحركة الاسلامية مع المتغيرات من حولها وان تسير بخطى سريعة وواثقة نحو أقصى درجات العلانية والشفافية والوضوح حتى تنال رضا الله عزوجل ثم رضا عامة الناس ...

أؤمن ايماناً عميقاً بوجوب تقبل النقد الذاتى والخارجى للتيارات الاسلامية واهمها واكبرها بالطبع (الاخوان المسلمين) وفى سبيل ما اؤمن به - حسب زعمى وفهمى القاصر- لم اتورع عن نقد مالا اراه صالحاً تنيظمياً وفكرياً ومجتمعياً فى تياراتنا الاسلامية بكل وضوح وحرص على رسوخ الفكر الوسطى المعتدل الذى أراه السبيل الوحيد لضمان نجاح الفكرة الاسلامية عملياً...فلا ارى القرارات السياسية المصيرية تنحصر فى الفهم الضيق وهو الصواب والخطأ بل اراه يتجاوز ذلك بمراحل إلى صواب واصوب , صحيح وأصح فما ارتكز إليه اليوم قد يتغير بعد شهور فالسياسة فن الممكن ,, فكم نقدت وبينت مالا يرضينى وآمنت النقد الذاتى فالأولى ان اطبق ذلك على نفسى ولا آمر الناس بالبر وأنسى نفسى الضعيفة المتخاذلة كثيراً ...

نعم أومن بان الخلاف الفكرى مصدر قوة والهام وتنوع وثراء داخل الحركة الاسلامية وخارجها وليس عامل هدم وفرقة وتجريف للتربة الخصبة الصالحة لزراعة الدعوة الصحيحة ولا ينبغى التخويف والتخوين والتشوية المتعمد واتهام المخالف بالسوء وانه سيساعد فى انهيار الجماعة لكنى لم افصل بين امور تخص وتفيد المجتمع وامور داخلية بحته كتعديل اللوائح وخروج بعض الاشخاص من تنظيم الاخوان ...

نعم أؤمن بأن الاخوان مفخرة لمصر قبل ان يكونوا مفخرة لأنفسهم وملك لجميع المصرين لانهم جماعة مجتمعية بامتياز ودون منافس ويندرج تحت فكرهم ملايين المصرين _ واحسب نفسى احدهم - لكن أحياناً بفعل المد الثورى وحماس الشباب وتسرعه - بل ولا اخفيها - واندفاعه وتهوره لم احسن اختيار الوقت الملائم ولا العبارات الدقيقة ولا الاشخاص المناسبين لعرض بضاعتى الثورية الاصلاحية بالشكل الملائم وتسويقها بالكيفية الصحيحة حتى يقبل عليها المستهلكين صانعى القرارت ....

مازلت أؤمن بأننا قبل الثورة وفى سنين المحن والابتلاءات - لا أعادها الله الينا ابداً - قد نضع الاعذار ونسوق المبرارت لحماية الفكرة الاسلامية من المحو والضياع ولكن بعد انتهاء العهد البائد ونظامة القمعى اصبحنا فى ملعب مفتوح والجمهور هو الفيصل والحكم فى نجاح فكرتنا ام لا فلا سبيل الا المصارحة والشفافية والانفتاح ومحاولة تجميع المصريين على المبادىء والقيم والمشروعات التى نتفق عليها بكل ميولنا (الاسلامية - القومية - اليسارية - الليبرالية ) دون تهميش احد او اقصاء فكر او تخوين او تعالى ... ولكن حدث تغول من الفكر الليبرالى بعد هزيمته هزيمة ساحقة من المصريين ومحاولته محو التيار الاسلامى وبخاصة الاخوان بكل السبل وبكل وقاحة والتفاف على إرادة الشعب المصرى فى الاستفتاء ..فهم فى الليل فى برامج "التوك شو" يغردون باختيار راى الناس وارتضاء الديمقراطية سبيل وحيد لادارة الحياة السياسية وفى النهار يطالبون بمجلس رئاسى ..الدستور أولاً .. تأجيل الانتخابات البرلمانية ..الخ .. ويبدو ان كلام الليل مدهون بالزبد اذا جاء النهار ساح ...

لكل هذا لم ولن اسمح لقلمى ان يكون خنجر موجه لاحبابى وتاج رأسى وان يستفيد به دعاة الفتنة وابواق العلمانية الشريدة والشيوعية الرخيصة والقومية البائدة ...لا يا سادة فهما اختلفنا فى امور فهى شوائب بسيطة او بالاحرى امور لا تكاد تذكر فهم اناس احسبهم على خير والله حسيبهم ونعالهم فوق رأسى ...لهذا بيدى لا بيد عمرو أتوقف قليلاً كاستراحة محارب حتى أدقق فى عباراتى واختار الوقت والمكان الملائمين بكل رقة وادب وحنية على فكرتى التى آمنت بها ولا ازال ...اعتذر بكل وضوح لكل من سائهم كلامى من الاخوان واقبل اعتذار من اساء الى منهم واقدر حرصه وحبه لجماعته ..فالوقت الان وقت بناء لا وقت تنظير ... ولا انس ان اعتذر بكل وضوح عن قصر نظرى وعدم وضوح الافق السياسى لدى فى مناشدة الاخوان بمقاطعة انتخابات مجلس 2010 فهى والله شرارة كبيرة من الشرارت التى الهبت الثورة المصرية وأعطتها الزخم الشعبى المأمول ...عذراً يا سادة ..أخطأت واصابت الجماعة ولا اتورع ان اقولها بكل صراحة ... كان راى غير موفق وغير سديد ...ونحن تعلمنا ان ندور فى فلك الحق اينما دار ..

وكلمة اخيرة للشباب :- إياكم والتفتيش فى النوايا والتنقيب فى الضمائر واقامة محاكم التفتيش لاصحاب الرأى والفكر ..خذوا منهم ما يفيدكم _ مهما كان فكره _ واتركوا بكل حب وود مالا تروه مفيد وغير صحيح ..أقدر حبكم وتمسككم بدعوتكم ومدرستكم الوسطية ولكن احذروا ان تتمسكوا باشخاص فالاشخاص زائلون والاهم ما يسطرون ...التمسك بالفكرة اولى واهم ....

ورحم الله امرىء اهدى الى عيوبى...



الأحد، مايو 15، 2011

نسيم الحرية للمنفلوطى


الحـــــــــريــــــــــــــــة

مصطفى لطفي المنفلوطي (ت: 1342هـ -1924م)
استيقظت فجر يوم من الأيام على صوت هرَّة تموء [المواء: صوت الهرة] بجانب فراشي وتتمسح بي، وتلح في ذلك إلحاحاً غريباً، فرابني أمرها، وأهمني همها، وقلت: لعلها جائعة. فنهضت، وأحضرت لها طعاماً فعافته، وانصرفت عنه، فقلت: لعلها ظمآنة. فأرشدتها إلى الماء فلم تحفل به، وأنشأت تنظر إليَّ نظرات تنطق بما تشتمل عليها نفسي من الآلام والأحزان؛ فأثَّر في نفسي منظرها تأثيراً شديداً، حتى تمنيت أن لو كنتُ سليمانَ أفهم لغة الحيوان؛ لأعرف حاجتها، وأفرج كربتها، وكان باب الغرفة مُرْتَجاً [أي: مقفلاً]، فرأيت أنها تطيل النظر إليه، وتلتصق بي كلما رأتني أتجه نحوه، فأدركت غرضها وعرفت أنها تريد أن أفتح لها الباب، فأسرعت بفتحه، فما وقع نظرها على الفضاء، ورأت وجه السماء، حتى استحالت حالتها من حزن وهمٍّ إلى غبطة وسرور، وانطلقت تعدو في سبيلها، فعدت إلى فراشي وأسلمت رأسي إلى يدي، وأنشأت أفكر في أمر هذه الهرة، وأعجب لشأنها وأقول: ليت شعري هل تفهم هذه الهرة معنى الحرية؛ فهي تحزن لفقدانها، وتفرح بلقياها؟ أجل، إنها تفهم معنى الحرية حق الفهم، وما كان حزنها وبكاؤها وإمساكها عن الطعام والشراب إلا من أجلها، وما كان تضرُّعها ورجاؤها وتمسحها وإلحاحها إلا سعياً وراء بلوغها.
وهنا ذكرت أن كثيراً من أسرى الاستبداد من بني الإنسان لا يشعرون بما تشعر به الهرة المحبوسة في الغرفة، والوحش المعتقل في القفص، والطير المقصوص الجناح من ألم الأسر وشقائه، بل ربما كان بينهم من يفكر في وجهة الخلاص، أو يتلمس السبيل إلى النجاة مما هو فيه، بل ربما كان بينهم من يتمنى البقاء في هذا السجن، ويأنس به، ويتلذذ بآلامه وأسقامه.
من أصعب المسائل التي يحار العقل البشري في حلها: أن يكون الحيوان الأعجم أوسع ميداناً في الحرية من الحيوان الناطق، فهل كان نطقُه شؤماً عليه وعلى سعادته؟ وهل يجمل به أن يتمنى الخرس والبله ليكون سعيداً بحريته ...؟!
يحلق الطير في الجو، ويسبح السمك في البحر، ويهيم الوحش في الأودية والجبال، ويعيش الإنسان رهين المحبسين: محبس نفسه، ومحبس حكومته من المهد إلى اللحد.
صنع الإنسان القوي للإنسان الضعيف سلاسل وأغلالاً، وسماها تارة ناموساً وأخرى قانوناً؛ ليظلمه باسم العدل، ويسلب منه جوهرة حريته باسم الناموس والنظام.
صنع له هذه الآلة المخيفة، وتركه قلقاً حذراً، مروع القلب، مرتعد الفرائص، يقيم من نفسه على نفسه حراساً تراقب حركات يديه، وخطوات رجليه، وحركات لسانه، وخطرات وهمه وخياله؛ لينجو من عقاب المستبد، ويتخلص من تعذيبه، فويل له ما أكثر جهله! وويح له ما أشد حمقه! وهل يوجد في الدنيا عذاب أكبر من العذاب الذي يعالجه؟ أو سجن أضيق من السجن الذي هو فيه؟
ليست جناية المستبد على أسيره أنه سلبه حريته، بل جنايته الكبرى عليه أنه أفسد عليه وجدانه، فأصبح لا يحزن لفقد تلك الحرية، ولا يذرف دمعة واحدة عليها.....
كان يأكل ويشرب كل ما تشتهيه نفسه وما يلتئم مع طبيعته، فحالوا بينه وبين ذلك، وملؤوا قلبه خوفاً من المرض أو الموت، وأبوا أن يأكل أو يشرب إلا كما يريد الطبيب، وأن يقوم أو يقعد أو يمشي أو يقف أو يتحرك أو يسكن إلا كما تقضي به قوانين العادات والمصطلحات.
لا سبيل إلى السعادة في الحياة، إلا إذا عاش الإنسان فيها حرًّا مطلقاً، لا يسيطر على جسمه وعقله ونفسه ووجدانه وفكره مسيطر إلا أدب النفس.
الحرية شمس يجب أن تشرق في كل نفس، فمن عاش محروماً منها عاش في ظلمة حالكة، يتصل أولها بظلمة الرحم، وآخرها بظلمة القبر.
الحرية هي الحياة، ولولاها لكانت حياة الإنسان أشبه شيء بحياة اللُّعب المتحركة في أيدي الأطفال بحركة صناعية.
ليست الحرية في تاريخ الإنسان حادثاً جديداً، أو طارئاً غريباً، وإنما هي فطرته التي فُطر عليها ...
إن الإنسان الذي يمدّ يديه لطلب الحرية ليس بمتسوِّل ولا مستجد، وإنما هو يطلب حقًّا من حقوقه التي سلبته إياها المطامع البشرية، فإن ظفر بها فلا منة لمخلوق عليه، ولا يد لأحد عنده.
المصدر: كتاب (مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي الكاملة، دار الجيل- بيروت، 1404هـ، 1984م، (1/127) بتصرف।

الأربعاء، مارس 02، 2011

حتمية النقد الذاتى للحركات الاسلامية





بسم الله والصلاه والسلام على رسول الله ... أما بعد


النقد الذاتي ظاهرة صحية في المؤسسات والمجتمعات المتحضرة، بل هو جزء أساسي من عملية التطوير والتقويم المستمر، وطالما كان الأمر كذلك، فما أحوج الحركة الإسلامية إلى ثقافة النقد الذاتي، من أجل ترشيدها، وتخليصها من أمراضها. فالحركة الإسلامية محاصرة، محلياً وإقليمياً ودولياً، وتوجه إليها سهام النقد ليل نهار، قاصدة تشويهها أمام شعوبها وأمام العالم، ومن شأن النقد الذاتي لها أن يبصرها بعيوبها، ويشير لها إلى الطريق الصحيح، من أجل أن تلتحم أكثر بشعوبها، ومن أجل أن تنجو من المؤامرات والمكائد فقد جرت العديد من المراجعات في السنوات الماضية، خاصة مع ازدهار العمل الإسلامي ووصوله إلى مساحات جديدة وأفاق متعددة، وابتلائه بالعديد من الأمراض والأخطاء. وهذه المحاولات الصحية في نقد الحركات الإسلامية وترشيد مسارها، إذا افترضنا فيها حسن القصد والتوجه، فإنها تأتي لتثري العمل الإسلامي وتقدم له إشارات تسوقه إلى الطريق الصحيح، وتضع له كوابح تمنعه من الانجرار إلى الأخطاء الكبرى، خاصة إذا كان هذا النقد صادرا من أهل الفكر الإسلامي المعروفين بالثقافة والخبرة والمعرفة، والذين لا ينطلقون من منطلقات شخصية خاصة، أو من حسابات ضيقة.

لكن الملاحظ أن الحركة الإسلامية، بفصائلها المختلفة، تضيق بالنقد الذاتي، ولا تتحمله، وتشكك في مصداقيته وجدواه. وكثير من الإسلاميين ينطلقون من أن العمل الإسلامي محصن دينياً وأخلاقياً وواقعياً ضد الخطأ والانحراف، وبالتالي فليست هناك جدوى من نقده. ومنهم من يعتقد أن من يوجه أي نقد للحركة الإسلامية، في أي مستوى من مستوياتها، إنما هو عدو لهذه الحركة وكاره لها ومتآمر ضدها، ويستبعدون تماماً أن يكون هناك مثقفون إسلاميون، محبون للحركة الإسلامية، وفي نفس الوقت ينتقدونها.!! هكذا فقدت الحركة الإسلامية المبدعين أصحاب الفكر الذكي، ومع الوقت تحول التنظيم إلى آلة من الممكن أن يتحكم في توجيهها إنسان متواضع الثقافة والرؤية والأفق، ولأن الأمور داخل التنظيم تركز على الطاعة والولاء والالتزام والفدائية ونكران الذات، وليس على قيم التواصل مع الأمة والمجتمع الأكبر، من حقوق وواجبات وأدوار، فقد تحول العمل الإسلامي إلى وظيفة وروتين يتقلده الأكثر طاعة وولاءً، وليس الأكثر ذكاءً ووعياً وعطاءً، كما زاد الوعي الحركي والتنظيمي والسياسي لشباب الحركة، في الوقت الذي قلت فيه خبراتهم الاجتماعية، وعمقهم الثقافي والفكري
وهكذا أصبح النقد الذاتي في الحركة الإسلامية شديد الأهمية من أجل الخروج من إطار العقل التنظيمي المحدود إلى العقل الإصلاحي، الذي يهتم بإصلاح الأمة والشعوب والعمل التنموي والأهلي بعيداً عن الصراع مع السلطة التي استنزفت جهود الحركات والمجتمعات الإسلامية إن عملية النقد الذاتي لا تخاف منها إلا حركة هشة غير واثقة من صلابة أفكارها ومن مشروعية وجودها، فهي تخاف من أدنى نقد يمكن أن يوجه لها لأنه يمكن أن يقوض وجودها ويفضح هشاشتها، وهو ما لا يمكن أن يقبل أن يصدر من حركة سياسية واجتماعية تستمد من مبادئ الإسلام الراسخة مشروعيتها ومن إنتاجات الفكر الإسلامية الوطيد أفكارها وتصوراتها.بل على هذه الحركة أن تشجع على مثل هذا النقد لأنه يضمن لها من التقويم والإصلاح ما يجعلها أكثر فعالية وأكثر نجاعة في خدمة المجتمع ونشر مبادئ الإسلام وأفكاره. إن أي تيار فكري لا يقبل النقد الذاتي والمراجعة المرحلية لا يعدو أن يكون أحد صنفين: - إما تيار معتد بنفسه معتقد بعصمته لا يقبل بأي حال من الأحوال أن يوجه له أحد أصابع النقد والتصويب، فهو – كما يرى – أرفع وأرقى من أن يخطئ أو يُصَوَّب. - وإما تيار شديد الهشاشة مبني على جرف هار يخاف أن يسقط بنيانه وتتفكك تركيبته إذا ما وجه إليه النقد أو طغى على ساحته نقاش يمكن أن يشكك في بعض أفكاره أو تصوراته।


لقد شهدنا على مدى التاريخ الإسلامي حركات اعتقدت أن مجرد اعتمادها للقرآن والسنة يضفي عليها طابعا من العصمة يجعل من المستحيل مناقشتها أو نقدها، وترسخ نوعا من الثيوقراطية الاجتماعية المذمومة، فهم لا يقبلون نقد ممارساتهم ويعتبرونها تنهل من منهل الوحي وكأن الوحي ليس له إلا تفسير واحد هو ما يراه قادة هذه الجماعة أو تلك، وهي بهذا المنهج الإلغائي تزيح كل تصويب أو نقد يمكن أن يوجه لها، ونجد ذلك واضحا وجليا في الحركات الصوفية التي ظهرت عبر التاريخ الإسلامي. إن على الحركات الإسلامية ألا تخاف من سهام النقد خصوصا تلك التي تأتي من أعضائها ومريديها ما دامت معتقدة أن مبادئها أقوى من أن تنهار لمجرد نقاش قد يفتح حول مسارها وأخطائها، بل يجب عليها أن تعلم أن هذا النقد إنما هو مصدر قوة يضمن لها بناءا فكريا وتنظيميا قويا ومتوازنا يمكن أن تخرج به إلى المجتمع وأن تقيم على أساسه برامج إصلاحية لتنزيل مشروعها المجتمعي في جميع جوانبه السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وأمام أعيننا تجارب رائدة في المغرب وفي مصر وفي الجزائر وغيرها من البلدان الإسلامية حيث قامت الحركات الإسلامية بمراجعات فكرية وسعت هامشها وزادت فعاليتها واستطاعت النجاح والتقدم في ممارستها بعد أن قامت داخلها حركة نقدية ساهمت في تقويم مسارها وتصحيح أخطاها وإعطائها دفعة قوية فصارت بذلك أكثر تغلغلا في المجتمع وأكثر قبولا ونجاعة في تنزيل مشروعها الإصلاحي في بلدانها إن من الظواهر السلبية في الحركة الإسلامية، والتي ينبغي لمناهج النقد الذاتي الالتفات إليها والاهتمام بها، الاعتقاد السائد لدى قطاعات واسعة من الحركة الإسلامية أن التنظيم غاية في حد ذاته، وأن الإسلام لن يعود لسابق مجده إلا من خلال التنظيم. وسادت ثقافة التنظيم والاهتمام به على ما عداها من القضايا، وباتت خدمة التنظيم هي الهدف الأساسي، وليس خدمة المجتمع وعوام الناس، وأصبح فهم ووعي شباب الفصائل الإسلامية للقضايا العامة وتفاعلهم معها يغلب عليه العمومية والانطباعية والكسل في التتبع الثقافي للقضية العامة، والرومانسية الحالمة البعيدة عن الواقع، وذلك لأن الوعي بالقضية العامة يقررها له التنظيم، وصاحبنا يريح نفسه ويعتمد على الثقافة التي يتيحها له التنظيم.



وهكذا فإن التنظيم أوجد في المنتمين إليه العقلية شبه السطحية وغير العميقة، فهو لا يهتم ولا يدرك إلا المباشر، ولذا نجده لا يتفاعل مع القضية العامة إلا بمقدار ما يكون له صلة بما يقوله التنظيم أو يمارسه. وهذا يفسر ضعف ثقافة أعضاء الحركات الإسلامية في التفرقة والتمييز بين ما يمكن أن يؤثر على الحركة الإسلامية مباشرة وما قد يؤثر عليها أكثر ولكن بطريق غير مباشر.

وأعداء الحركة الإسلامية وكارهوها يعملون جاهدين على أن تظل الحركة سطحية الثقافة معتمدة على الآليات المباشرة في الفهم والحركة، ولذلك فهم يعملون على توفير فرص التعبير الديني الظاهر والكثيف في وسائل الإعلام، وفي نفس الوقت يبذلون كل الجهود الممكنة لمنع الحركة الإسلامية من اكتساب الخبرة السياسية والاجتماعية الناضجة، والتي تمكن الحركة من أن تصبح مستقبلاً بديلاً كفؤاً للتيارات العلمانية سياسيا ..

الثلاثاء، ديسمبر 14، 2010

في فقه العلاقة بين الحاكم والمحكوم

كتبها وائل عزيز ، في 12 ديسمبر 2010


لا يوجد عاقل يقول بجواز الخروج المسلح على الحاكم المسلم، ولم يقل بذلك تاريخياً إلا غلاة الخوارج.

كما لا يوجد عاقل يقول بقبول الظلم وترك الحاكم وما يصنع وحسابه على الله، ولم يقل بذلك إلا غلاة المرجئة.

وموقف أهل السنة والجماعة وسط بين إفراط الخوارج وتفريط المرجئة………..

وفجأة وبعد إعلان نتيجة الانتخابات المصرية ورصد ما وقع بها من مخالفات وتجاوزات، امتلأت بعض المواقع السلفية بالمواضيع التي تحرم الخروج على الحاكم، وتوجب طاعته (ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك)، وتؤكد أنه لا فرق في هذه الطاعة بين الحاكم العادل والحاكم الظالم، ولا تدع أمام الرعية وسيلة لمواجهة الطغيان والظلم والاستبداد إلا الصبر ثم الصبر ثم الصبر.

ويخشى من الاقتصار والإلحاح على عرض أحاديث وجوب طاعة الحاكم دون غيرها من أحاديث الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والأخذ على يد الظالم، وإقامة الحق والعدل وحماية الثغور وتشريع الجهاد وأداء المصالح العامة، يخشى أن يفهم منها أنها دعوة لإقرار الظالم على مظالمه، أو الخنوع لطغيانه، أو قبول مخالفاته ومظالمه باسم الشريعة (طاعة ولي الأمر)، وهي من ذلك بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب.

والخروج على الحاكم الظالم المنهي عنه هو ما يعرف في العصر الحالي باسم "الانقلاب العسكري المسلح"، ووجه النهي والتحذير منه أنه طريق لتعريض البلاد لفتنة أن يكون بها حاكمان، وفي الحديث "فاضربوا عنق الأخير". أي الذي قام بالانقلاب. وفي الفقه "الحكم لمن غلب"… أي لمن نجح في الانقلاب واستولى على الحكم، وهو رأي فقهي لا يشرعن للغلبة العسكرية، وإنما يقبلها من باب الضرورة والاستثناء درءاً للفتنة، وغلقاً لباب الهرج والمرج.

أما انتقاد تصرفات وسلوكيات الحاكم الظالم والفاسق والقيام بواجب نصحهم إذا كانت أفعالهم خارجة عن مقتضيات الشرع فهو واجب على كل مستطيع كل بقدره، دون خروج على تقاليد الأدب والاحترام التي يوجبها الشرع لولي الأمر. والإنكار يكون حسب مكانة المنكر وقدرته وملابسات المواقف المختلفة، ويكون باليد أو باللسان أو بالقلب وهو أضعف الإيمان. كما جاء في الحديث الشريف.
……….

و لا يخفى أن كل أحاديث طاعة الحاكم مشروطة بأداء واجباته كحاكم وعدم خروجه على الشريعة، ومنها:

"السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية ، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة" (البخاري)،
و "
لا طاعة في معصية الله . إنما الطاعة في المعروف" (مسلم)،
و "من أعان ظالما ليدحض بباطله حقا، فقد برئت منه ذمة الله و رسوله"،
و " سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون، و ينكرون عليكم ما تعرفون، فمن أدرك ذلك منكم
فلا طاعة لمن عصى الله عز وجل" (السيوطي: صحيح).
وسأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص: "هذا ابن عمك معاوية ، يأمرنا أن نفعل ونفعل ، قال :
أطعه في طاعة الله ، واعصه في معصية الله".

و الأمر بالصبر على الحكام الوارد في الأحاديث الشريفة لا يعني الرضا بمخازيهم ومساوئهم وانتظار الفرج دون سعي لتغييره، ولا يعني الخنوع والصمت والذلة أمامهم. بل في الحقيقة فإن الصبر المأمور به ليس صبراً على أن ترى المنكر الذي يسيئك رؤيته فتسكت، فلا معنى للصبر هنا… وإنما هو الصبر على الأذى الذي يصيبك من الحاكم جراء مجاهرتك بإنكار المنكر أو الأمر بالمعروف.
……….

والعلاقة بين الحاكم والمحكوم تعاقدية تعرف في الفقه الإسلامي باسم "البيعة"…

وللحاكم شروط فصلها أهل العلم كالإسلام والعدالة والشجاعة وحسن التدبير وسلامة الأعضاء وغيرها وجعل منها الإمام الغزالي الورع. ومن أخل بهذه الشروط وجب على أهل الحل والعقد أن ينظروا في شأن عزله بالطرق المشروعة، ودون مخاطرة باستقرار المجتمع وبتقدير للمفاسد والمضار.

ولذلك فإن الإمامة عند أهل السنة والجماعة تختلف عنها عند الشيعة، فهي لا ترفع من شأن الإمام أو الخليفة أو الحاكم إلى مرتبة العصمة والتقديس، ولكنها تضمن له الاحترام والتقدير والطاعة في المعروف والمعاونة والنصرة وعدم الخيانة ما دام الحاكم قائماً بواجباته… ويضاف إليها الصبر على مكارهه إن ظلم أو طغى.
……….

ولفظة "البيعة" تعبير إسلامي عبقري عن طبيعة هذه العلاقة التعاقدية… و الالتزام هنا متبادل، كما أعلنها أبو بكر الصديق الخليفة الأول في خطبة الخلافة: "أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم"...

وهذا ليس نصاً بلاغياً…ولا وعداً انتخابياً، وإنما هو التزام شرعي من الحاكم بواجباته، وربط بين تحصيل حقوقه وأداء واجباته. فإن أخل أحد الطرفين بشروط هذا التعاقد أصبح لاغياً. وفي الحديث الشريف: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". فقول الصديق هنا تشريع.

و "البيعة" في دلالتها اللغوية مصدرٌ يُفيد معنى المبايعة وتعطي معنى المعاقدة والمعاهدة، وهي تشبه هنا البيع الحقيقي، وكأن كل واحد من الخليفة والمواطن قد باع ما عنده للآخر، وتعاهدا وتعاقدا على أن يؤدي كل من الطرفين للآخر ما عنده،

"فالخليفة يعاقد ويعاهد الأمة على أن يحكم بالحق والعدل، وأن يرعى أحكام الشريعة، ويصون مبادئ الدين، وأن يوفر للمواطن كل ما أقرته مبادئ الشريعة للمواطن من حقوق إنسانية وحريات، ويقوم المواطن نيابةً عن ذاته بمنح الحاكم توكيلاً أو تفويضاً بإدارة شئون البلاد على ما اتفقا عليه، ويقدم له مع ذلك الطاعة، ويتعهد بنصرته، في كل ما من شأنه أن يحمي مصالح الأمة، ويدافع عن حقوقها وكرامتها."

وشروط البيعة تشبه شروط البيع في معان فصلتها كتب الفقه، ومن أهمها أنها لا تقع بالإجبار والإكراه.. و لا يستطيع الحاكم أن يمارس مسئولياته في السلطة بغير هذه البيعة، وإلا أصبح مغتصباً لهذا الحق.

وعلينا هنا التفريق بين البيعة الشرعية الواجبة، وبين البيعة التاريخية الواقعة من بعض حكام المسلمين، ففيها التزام بالشكل دون التزام بالمضمون، ومنها تلك البيعة العجيبة التي أخذها أبو جعفر المنتصر بالله العباسي على أهل شاطبة في الأندلس ، وتنص تلك البيعة على أن كل مَن حاد عن مقتضى تلك البيعة المدونة فإن الله بريء منه، وأن كل امرأة يتزوجها فهي مطلقة منه، وأن عليه أن يمشي إلى بيت الله الحرام على قدميه كفارة له، وأن عبيده عتقاء أحرار، وأن جميع أمواله صدقة لبيت مال المسلمين…

ومثل هذه البيعة وغيرها كثير في التاريخ إهانة لفقه البيعة وشروطها… وتشبه ما يقع هذه الأيام من إعطاء حكامنا سلطات مطلقة دون مراجعة أو مراقبة.
………….

وإذا حملت البيعة معنى الإكراه بأية صفة من صفاته المادية والمعنوية، أو جاءت مع إهدار إرادة أصحابها بالتزوير أو التلاعب أو التدليس، فإن البيعة باطلة، وذلك لأن الغاية من البيعة هي التعبير عن الإرادة، ولكي يكون التعبير معتمداً ومقبولاً فيجب أن يتوفر فيه عنصر الرضا والاختيار، وبناءً عليه فإن البيعة المرتبطة بمعنى الإكراه أو اغتصاب الإرادة تعتبر باطلة، ولا يترتب على وجودها أي أثر مُلزِم.

وهي تشبه أن يحصل أحدهم على شهادة مزورة بأنه طبيب… فهل يقول أحد إنه بحكم هذه الشهادة التي يعرف الجميع أنها مزورة يحق له أن يطلع على عورات المسلمات، ويمارس دجله وأخطاءه… فإذا تم رده أو منعه أو الاعتراض عليه يقال: هذا طبيب وله حق الأطباء؟!!.

لا حقوق للمزورين والمغتصبين.

ويرى بعض الصحابة أنه إذا طرأ علي هذه العلاقة التعاقدية بين الحاكم والمحكوم ما يخل بها من فسق أو ظلم يخرج الحاكم من حد العدالة، فليس للحاكم إمامة أصلا، ولا يرى له طاعة، ويوجب الخروج عليه كالحسين بن علي، وعبدالله بن الزبير، وكل من خرج على الحجاج من علماء العراق كسعيد بن جبير، وحجتهم في ذلك قوله تعالى{ قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهد الظالمين}(البقرة) فقالوا الظالم لا يكون إماما أبدا.

ومن العلماء من لا يرى إمامته، ولا يرى طاعته، ولا يوجب الخروج عليه، ولا يمنع منه، كمالك بن أنس، وأبي حنيفة، وسفيان الثوري، وحجته قوله تعالى{ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار} فحرموا الركون والميل إليهم، وإن لم يوجبوا الخروج عليهم، ولم يحرموه أيضا، وقد سئل مالك عن القتال مع الأئمة لمن خرج عليهم، فقال إن كان الإمام كمثل عمر بن عبد العزيز فقاتل معه، أما إن كان مثل هؤلاء الظلمة فلا ، دع الله ينتقم من الظالم بمثله.

ومنهم من يرى إمامته، وطاعته في طاعة الله ورسوله فقط، ويرى الصبر، ويحرم الخروج عليه كالإمام أحمد، كما هو مفصل في كتب الفقه، وهؤلاء إنما راعوا المصالح الكلية التي قد تتعطل بالخروج عليه كوحدة الأمة، وإقامة أمر الجهاد، وحماية البيضة من العدو، وإقامة مصالح الناس ….الخ.
………….

وفي كل الأحوال فإن طاعة الحاكم… هي فقرة واحدة من فقرات هذه العلاقة التعاقدية، ولا قيمة للحديث عنها إذا كانت باقي شروط العلاقة غير متحققة… وهو ما يسميه العلماء بأن "الجهة منفكة".

ومن قبيل تحميل الأمور ما لا تحتمل أن ألزمك بأداء واجب الركوع مثلاُ كاملاً غير منقوص بهيئته وألفاظه… دون أن تكون أنت أصلاً في صلاة. لا ركوع ولا سجود إلا في صلاة…

ولا طاعة للحاكم (بالشكل الذي نصت عليه الأحاديث) إلا بعد: 1- بيعة 2- لخليقة 3- في دولة مسلمة.

والحقيقة أن معظم ما جاء في كتب الفقه الإسلامي عن هذه العلاقة صالح للتطبيق في الدولة الإسلامية… وهي غير موجودة بمواصفاتها الشرعية الآن على الأرض.

وتظل النصوص في هذا الشأن هادية لا ملزمة لانفكاك الجهة. تماماً كنصوص الرق وأحكام الرقيق، لا ننكر النصوص وإنما نؤجل العمل بها حتى يعود الرق.. وتبقى مقاصدها صالحة للتطبيق دون حروفها… وفي نصوص السياسة الشرعية ما يوجب أن يكون الأئمة من قريش، وهذا نص موقوف العمل به، وفيها تحريم للسفر إلى ديار الكفار، وهذا أيضاً نص موقوف العمل به، حتى تعود الظروف الموجبة لتطبيقه. وفيه نصوص موجبة لإقامة الجهاد ضد المغتصبين فوراً… وهي نصوص لا تجد لها الآن مجالاً للتطبيق من الحكام المسلمين.

أما مطلق النهي عن مراجعة الحكام ونقدهم، ففيه غلو وتجاوز، ورفع للحاكم فوق قدره، بما يخالف تعاليم الإسلام الراشدة في هذا الشأن .

وقد قال الله عزّ وجلّ : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ)
وقال أبو العالية : لا ترضوا بأعمالهم .
وقال السدي : لا تُداهِنوا الظلمة .
وعن عكرمة : لا تُطيعوهم .

وتذكر لنا كتب التاريخ عشرات من مواقف العلماء بل وعامة المسلمين من مراجعة الحكام وولاة الأمر. ومنها أن أحد المسلمين وقف أمام عمر بن الخطاب في صلاة الجمعة حين قال في الكسوة ،، و واجه ابن الخطاب و اجابه عمر. ولكن الموقف على شدته كان يتسم بالتهذيب لا بالتحريض،، والاستفسار لا التخوين المباشر الصريح. وكذلك حين راجعته امرأة في قراره بتخفيض المهور، فقال: أصبت امرأة وأخطأ عمر.

ان كلمة الحق لا تعني التهجم او التكفير او التخوين ،، انما تكون بالدعاء الصالح و الكلم الطيب لتوجيه نظر الخليفة الى مفسدة يرجى درؤها. ولا بأس من استخدام كافة الوسائل الممكنة والمتاحة من توجيه كلمة الحق للسلطان الجائر، دون تحريض أو دعوة لشق الصف.

و توجيه النصح للحكام لا يشترط أن يكون من عالم أو أن يكون سراً. طالما أن المنكر الواجب إنكاره هو مخالف للشرع بما لا محل فيه لتأويل مثل المجاهرة بشرب الخمور أو التحريض على الفجور أو التمكين للملحدين من أماكن اتخاذ القرار بما يسيء لتطبيق شرع الله.

وهذا العز بن عبد السلام شهر بالمماليك من على المنبر عندما استكانوا ورفضوا الجهاد فاصدر فتواه بان هؤلاء هم من بيت مال المسلمين فيباعوا فى الأسواق وليؤول أموالهم إلى بيت مال المسلمين لتجهيز الجيش.

وكان السلف الصالح ينتقدون الْحُكّام والأمراء ولو كانوا من أهل العَدل ، وكانوا يُنكرون عليهم .

وفي صحيح مسلم إنكار عمارة بن رؤيبة على بِشر بن مروان حينما رآه على المنبر رافعا يديه ، فقال : قبح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة . وهذا إنكار علني يوم الجمعة أمام الناس على أمير من الأمراء .

وفي صحيح مسلم من طريق طارق بن شهاب قال : أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان ، فقام إليه رجل فقال الصلاة قبل الخطبة ، فقال : قد تُرك ما هنا لك ، فقال أبو سعيد : أما هذا فقد قضى ما عليه ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان .

وفي صحيح مسلم أيضا من طريق الحسن أن عائذ بن عمرو وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد الله بن زياد ، فقال : أي بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن شرّ الرّعاء الحطمة ، فإياك أن تكون منهم ، فقال له : اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال : وهل كانت لهم نخالة ؟! إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم !

وفعل السلف أكثر وأشهر من أن يُحصر في الإنكار العلني على الحكّام والولاة .

وسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حافلة مليئة بالإنكار العلني على حُكّام عصره . بل إن الخارجين على الشرعية من الجماعات الإسلامية ممن تجاوزا الحد وقاموا بفعلهم المشين بقتل الرئيس السادات كانوا يستشهدون بمقولات شيخ الإسلام ابن تيمية، و كتاب "الفريضة الإسلامية" الذي يعتبر مرجعهم في هذا المجال هو نقول مبتورة من كتب شيخ الإسلام.

وما أضر الإسلام مثل النقول المبتورة… من هنا أو هناك انتصاراً لهوى أو غرض. يتفق في ذلك من قال بوجوب الطاعة المطلقة، أو الخروج المطلق. والفضيلة دائما هي وسط بين رذيلتين.
.

………..

أما النظرة للحكام باعتبارهم فوق النقد والمساءلة والمراجعة، تحت دعوى طاعتهم وعدم الخروج عليهم، ففيه تحميل للأمور فوق ما تحتمل، وتعطيل لشريعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإعطاء للحكام فوق ما يستحقون من التقديس والتبجيل…

وولاة الأمر في أفضل حالاتهم ليسوا أكثر من وكلاء عن الأمة في إقامة شرع الله وتنظيم أداء فرائضه… فإن قصروا في هذا التعاقد، فيجب على أهل الحل والعقد من الأمة النظر فيما يستوجبه هذا التقصير من مساءلة تبدأ بالنصح والتوجيه، ويمكن أن تمتد لتصل إلى حق العزل والإقصاء.
…………

هذا والله تعالى أعلى أعلم .

المصدر : مدونة وائل عزيز
http://waelaziz.maktoobblog.com/1618187/%D9%81%D9%8A-%D9%81%D9%82%D9%87-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A9-%D8%A8%D9%8A%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%A7%D9%83%D9%85-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85/

الأربعاء، ديسمبر 01، 2010

إعلام الجهال بما في الطوارئ من خصال


لست ادري لماذا ينقم الناس ويسخطون على قانون الطوارئ ويطالبون بإلغائه مع أن هذا القانون يشتمل على فضائل وخصال رائعة لا يعلمها إلا من استظل بظلاله الوارفة ؛ وأنا واحد ممن أسعدهم الحظ بالخضوع تحت مظلته لأكثر من سبعة عشر عاما ؛ فقد اعتقلت في 13-2-1993ومازلت حتى كتابة هذه السطور أتمرغ في نعيم سياسة الاعتقال المفتوح المنبثقة عن قانون الطوارئ الرحيم

لذا سأبين لكل جاهل يطالب بإلغائه مزايا هذا القانون وفضائله وهي كالآتي:

- أولا: قانون الطوارئ يوفر للإنسان فرصة مجانية للسياحة والتنزه في أرض الله فمنذ اعتقلت وأنا “أسيح” بالمجان في ربوع الوطن ؛ فقد حللت ضيفا على سجون الوادي الجديد والنطرون ودمنهور والفيوم وطره وأبو زعبل ، وقبل أن اعتقل كانت آخر حدودي هي حديقة الحيوان بالجيزة


- ثانيا:قانون الطوارئ يساهم في حل مشكلة الإسكان وخاصة للطبقات المهمشة التي تحت خط الفقر؛ فبدلا من أن يسكن هؤلاء المقابر أو تحت أسقف الكباري أو داخل مواسير الصرف الصحي العملاقة فإن وزير الداخلية مشكورا يوفر لهؤلاء سكنا بالمجان داخل المعتقلات بالإضافة للإعفاء من مصروفات الطعام والشراب والمياه والكهرباء والزبالة


- ثالثا: قانون الطوارئ يساعد على تقوية البدن ؛ ففي حقبة التسعينات كانت سياط الجلادين تلهب ظهورنا ، وكنا ساخطين على جلادينا وأسيادهم ولكن بمرور الوقت أدركنا أن هذه السياط وأخواتها من الشوم والعصي تعمل على تقوية العضلات بصفة عامة والظهر بصفة خاصة


- رابعا:يساعد قانون الطوارئ في علاج بعض الأمراض ؛فعندما كنت اصعق بالكهرباء في جهاز مباحث أمن الدولة بمدينة نصر كنت اصرخ بأعلى صوتي داعيا على زبانية التعذيب بالويل والثبور ولكن اتضح لي بعد ذلك أن هذا الصعق الكهربائي من شأنه إخراج الرطوبة من الجسم بالإضافة لتقوية عضلة القلب

- خامسا: قانون الطوارئ يكسب الإنسان فضيلة الصبر ؛ فخلال اعتقالي هذا فقدت أبي وأمي رحمهما الله ولم يوافق وزير الداخلية على حضوري لجنازتيهما، وكان عقلي القاصر يسئ الظن بالوزير ، لكن اتضح لي أن الرجل يريد أن يعودني الصبر وألا يجدد أحزاني غلطان هو؟!

- سادسا :قانون الطوارئ يدرب الإنسان على العيش في أحلك الظروف،ففي فترة التسعينات كنا ندخل السجون الجديدة بالشورت في عز البرد ونمكث على هذا الوضع طيلة شهر كامل ،حتى أن احد الإخوة اقترح علينا أن نردد جميعا عبارة”أنا لا اشعر بالبرد ثلاثة مرات كوسيلة نفسية لجلب الدفء

- كانوا أيضا يحرموننا من ساعات اليد حتى لا نعرف الوقت ولا ندري ليلا من نهار هكذا كان ظاهر الأمر بالنسبة لنا ولكن اكتشفنا بعد ذلك أنهم يهدفون إلى تقوية ملكة الاجتهاد لدينا حتى يستطيع الواحد منا معرفة الوقت بدون حاجة للساعة

- في تلك الحقبة أيضا كانوا يحرموننا من المصاحف والويل كل الويل لم يضبط معه مصحفا وطبعا كنا ننظر إليهم على أنهم يحاربون القرآن ، لكن اتضح لنا بعد ذلك أنهم يريدون مساعدتنا على حفظ القرآن عن ظهر قلب وهو ما لن يتحقق إلا بمصادرة المصاحف

- اعتادوا أيضا على ضرب الأخ الذي يرفع صوته بالأذان ليعلمنا بوقت الصلاة وما كنا ندري انه اختبار لنا ليعلموا مدى حرصنا وتمسكنا بالأذان رغم الضرب والإهانات

- ومن الذكريات الجميلة أنهم كانوا يكرهوننا على وضع عصابة على أعيننا عندما نخرج من الزنزانة لقضاء أية مصلحة خارجها فكنا نشير كالعميان ولقصر نظرنا كنا ساخطين من هذا الأمر لكننا أدركنا أنهم يحجبون أبصارنا عن رؤية أي شئ قد يؤذيها

- والحقيقة أن فضائل الطوارئ كثيرة جدا لكن ضيق المقام لا يسمح بالبسط في المقال ، والخلاصة إنني باعتباري واحدا ممن تمرغوا في نعيم الطوارئ فأنني أطالب باستمرار العمل بهذا القانون الرحيم لمدة ثلاثة عقود أخرى أو حسب ما يرى فخامة الرئيس حسني طوارئ

كتبــه : ( ع .ل)

معتقل إسلامي يرفل في نعيم الطوارئ في العهد المبارك

الثلاثاء، أغسطس 03، 2010

ابو جهل الصحافة


أبوجهل صحيفة الجمهورية يحرض (قمل الدولة )على المساجد في رمضان


نقلاً عن موقع إنقاذ مصر:-

المساجد.. وأمن الدولة:

تحت هذا العنوان كتب رئيس تحريرصحيفة الجمهورية ( الحنجورية) مقالا وقعه باسم المحرر، ولم يزيله باسمه ربما للخيبة الثقيلة التي يحاول تسويغها والدعوة لها في مقاله الذي يؤكد على المستوى الفكري المتدني للقائمين على الصحافة الحكومية التي لا هدف لها إلا التطبيل والتضليل والدفاع عن ممارسات أقل ما يقال عنها أنها ممارسات بوليسية لنظام يفتقد لأدنى قدر من الحس السياسي والحرية وحقوق الشعب.

يدندن رئيس تحرير الجمهورية حول ما يصفها بالمسألة الخطيرة التي تحتاج لمصارحة ومكاشفة بعيدا عن الردود الدبلوماسية التي تزيدها غموضا وشكوكا بل وتؤدي إلي فقدان الثقة في كل ما يقال.

ويتحدث أبوجهل الجمهورية عن آلاف المساجد في مصر التي تخصص بعضها في رمضان لصلاة التراويح بجزء من القرآن يوميا وأخري للاعتكاف.. ويبرر سياسة وزارة الأوقاف في السيطرة عليها في هذا الشهر الفضيل نظرا للأعداد الغفيرة التي ترتادها وحتى لا يقع المصلون وعددهم بالملايين –كما يقول- ضحية أفكار متطرفة أو مضللة أولا علاقة لها بالدين مما يؤثر بشكل خطير علي الوضع الدعوي والأمن في مصر.!!

أبوجهل الجمهورية الخبيث يريد الربط بين ارتياد الآلاف للمساجد للصلاة وختم القرآن في صلاة التراويح، أو القيام بسنة الاعتكاف، بالأفكار المتطرفة المضللة، وهو كلام تافه لكاتب عقيم الفكر والفهم ومحرض على الدين والمساجد.

ثم ينتقل ابوجهل الجمهورية الذي ظلمه من عينه على رأس مؤسسة إعلامية مملوكة لشعب مصر المنكوب في نظام الطاغية وصبيانه من فصيلة أبوجهل، إلى أن “المساجد في رمضان بالذات تأخذ بعدا أمنيا آخر خطيرا لما تشكله من أهمية كبري وتأثير علي الرأي العام يفوق كثيرا أهمية كل الفضائيات في أجهزة الإعلام المختلفة رغم ما تبذله هذه القنوات من جهد في محاولة لجذب المشاهدين” طبعا هو يشير للجهد الخارق في إنتاج الدراما فهناك 84 مسلسلا سيعرض يوميا في رمضان رغم أن اليوم كله 24 ساعة، بخلاف البرامج الترفيهية الأخرى، ومع ذلك فأبو جهل صحيفة الجمهورية يرى أن كل هذا غير قادر عن صرف الناس عن الصلاة وختم القرآن، وهي دعوى مكشوفة للاستيلاء على هذه المساجد وكأنه “لينين” مصر في زمانه.!!! .

ويقول أبوجهل الجمهورية –فض فوه- أن ((الحديث يزداد بقوة عن امن الدولة ودوره الفعال في مراقبة المساجد وانعكاسات هذا الدور علي اختيار الأئمة والخطباء ويصبح الحديث عن عدم وجوده هراء يزيد انعدام ثقة الجماهير في الأجهزة المسئولة)). - ويضيف – ((ولكن التساؤل الأكثر أهمية والذي يحتاج لإجابة صريحة ما هو تأثير هذا الدور علي المساجد وماذا لو رفعت أمن الدولة يدها عنها؟ والإجابة بصراحة أيضا أن الوضع سيتحول في المساجد إلي فوضي حقيقية لن يستطيع احد وقفها أو إيقاف تداعياتها وسط تيارات فكرية متنافسة هي انعكاس مباشر لزيادة الجماعات التي تصف نفسها بالإسلامية في المنطقة كلها وليس في مصر فقط. والتربيطات والتنظيمات العالمية لهذه الجماعات بل والإغراض التي تتوخاها وبينها أهداف كثيرة لا علاقة لها بالإسلام ولا رمضان!! ))

نحن نشك أن أبوجهل هذا الذي يدعو لتطبيق الطوارئ على المساجد وكأنها اوكار للجريمة ويطالب بوضعها تحت وصاية مباحث أمن الدولة، أنه يملك أي حس مدني أو يؤمن بالحرية أو القانون أو المؤسسات أو الفصل بين السلطات، وهو يؤكد أنه ليس أكثر من مخبر بدرجة صحفي عديم البصر والبصيرة يؤمن بالدولة البوليسية ويرى أن الأمن هو مبعوث العناية الإلهية في مصر، فهو الذي يزور الانتخابات ويعين الوزراء، ويلاحق السياسيين والمعارضين، ويعذب المواطنين، ويعتقل الأبرياء وهو الذي يسيطر على المؤسسات التعليمية والجامعات وعلى المساجد والعقول والقلوب، ، وهو الذي سيعلمنا كيف نقيم الصلاة ونرفع الدعاء !!!.

ما هذا الهبل والفجور الذي يدعو له هذا الرجل الذي يبرر ويحلل ويسوغ سيطرة أمن الدولة على المساجد وعلى تعيين الأئمة وعلى تحديد طول الصلاة أو قصرها في رمضان؟!

وطبعا لا ينسى هذا الدعي في معرض ترهيبه وتحريضه على المساجد التي تقيم السنة ويقبل عليها آلاف المصريين في رمضان، أن يخلط بين الوضع في مصر بمثيله في غزة ، ويهرف بما لا يعلم ولا يفقه بطريقة من السخف المفضوح، نترفع عن أن نتعرض لتفنيدها لأنها سفسطة رجل يكتب أي شيئ في محاولة يائسة لتبرير هذا العبط الذي يحاول تبريره من سيطرة مباحث أمن الدولة على المساجد ويقول:

((فماذا ممكن ان يحدث في مصر لوفلت العيار واقتصرت مراقبة المساجد علي وزارة الأوقاف فقط (!!!) وهل يستطيع الإمام وحده السيطرة علي هذه الجماعات المتصارعة للسيطرة علي منابر المساجد بالحق والباطل.. بل والجهل والبلطجة.
ويضيف: لقد أنقذت امن الدولة المساجد من صراعات كانت ستؤدي إلي معارك خطيرة وإسالة الدماء في بيوت الله خاصة أن العديد من المتصارعين حصروا الإسلام في اللحية والجلباب والخف وهدف كثيرين منهم الدنيا قبل الآخرة. ))

فهذه هي النتيجة التي يريد الوصول إليه أبوجهل الجمهورية، أن تكون هناك نقطة مباحث أمن دولة في كل مسجد، وأن يكون هناك مخبر على راس كل شيخ، وأن ندعو حبيب العادلي ليقم فينا الصلاة .. ولا ندري ما علاقة البلطجة والصراعات بحملتك أيها الخبيث على المساجد التي يرتادها الملايين كما قلت؟ وهل الملايين يريدون ارتياد مساجد البلطجة والجهل؟ ما هذا الاستخفاف بعقولنا وبشعب مصر؟ أم أنك دعي حاقد عميل مباحث تسوءك المساجد التي يشعر الناس فيها بالأمان والاطمئنان والسكينة والرحمة والقيام والدعاء في هذا الشهر الفضيل فتريد إغلاقها وسيطرة الأمن المركزي عليها؟

والعجيب أن أمثال أبوجهل هذا لا يستحون ولا يشعرون بالخجل من كتابة هذه المنشورات التي تعتقد لأول وهلة أنها صادرة من الحزب الشيوعي السوفيتي في أيام مجده، وأنها منشورة في صحيفة برافدا !!.

ولكن يا ترى هل تستطيع يا أبوجهل أن تفعل ذلك مع باقي الطوائف الدينية في مصر، فتطالب أمن الدولة بعزل هذا المطران أو تعيين هذا القسيس أوذاك الكاهن؟ أم أنك أجين من أنتتحدث في ذلك؟

ولقد ذكرني مقال أبوجهل الجمهورية بقصيدة كنا نقرأها ونحن أطفال وتقول أبياتها:

برز الثــــعلب يوما في ثياب الواعظــــين

يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرين

و يــــــقول الحمـــــد لله إلــــه العالمــــين

يا عبـــــاد الله توبوا فـهو كهف التـــائبين

وازهـــــدوا فإن العيش عيش الزاهـــدين

و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصـــبح فينا

فأتى الديك رسولا من إمـــــــام الناسكين

عرض الأمر عليه و هو يرجــوا أن يلينا

فأجاب الديك عذرا يا أضـــل المــــــهتدين

بلغ الثعلب عني عن جدودي الصــــالحين

عن ذوى التيجان ممن دخلوا البطن اللعين

أنهم قالوا و خير القـــول قول العارفيــــن

مخطئ من ظـــن يومـــا أن للثــــعلب دينا

عليك من الله ومن المصريين ما تستحق في هذه الأيام الفضيلة.